ظهرت بالمدينة وأوردها النبهاني في أول قافية الدال وقدم لها مطلعها:
إلهي على كل الأمور لك الحمد ... فليس لما أوليت من نعم حد
لك الأمر من قبل الزمان وبعده ... وما لك قبل كالزمان ولا بعد
وهذا هو المعنى الذي فصله الغزالي رحمه الله من قبل في تهافت الفلاسفة ووسمه بالنسبية.
وحكمك ماض في الخلائق نافذ ... إذ شئت أمرًا ليس من كونه بد
جملة ليس صفة لأمر.
تضل وتهدي من تشاء من الورى ... وما بيد الإنسان غي ولا رشد
دعوا معشر الضلال عنا حديثكم ... فلا خطأ منه يجاب ولا عمد
ونقول بعد: «وما محاسن شيء كله حسن».
ونختم الحديث عن البوصيري بهذه الأبيات التي هي أول بردته.
أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم ... ما بين منسجم منه ومضطرم
فالمنسجم ما يترقرق من الدمع والمضطرم ما في الفؤاد من لواعج.
لولا الهوى لم ترق دمعًا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حبًا بعد ما شهدت ... به عليك عدول الدمع والسقم
فهذان شاهدان، وكأن العدول في محاكم المسلمين وعند قضاتهم أشبه بمن يسمون الآن بالموثقين. وأحسب أن «فشر» المؤرخ ذكر أن من ضمن ما أفادته أوروبا من الترك العثمانيين التسامح الديني وضروبًا من أعمال الحضارة وفنونها أحسبها ذكر فيها القوانين، وإنما هي من الفقه كما لا يخفى. ومكان الأتراك في الحضارة لا ينكر. وإنما أضر بهم الضعف الذي اعتراهم في القرن الماضي حتى زالت الخلافة وخرج عليها من