للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أجود من دالية أبي تمام، وأنسب وأوقع في بحر الخفيف منها، وقد أحسن المتنبي جداً إذ خلط كلامه ومدحه فيها بالتأمل التأريخي حيث يقول:

وإذا كان في الأنابيب خلف ... ... ... وقع الطيش في صدور الصعاد

أشمت الخلف بالشراة عداها ... ... ... وشفا رب فارس من إياد

وتولى بني اليزيدي بالبصـ ... ... ... ـرة حتى تمزقوا في البلاد

وملوكاً كأمس في القرب منا ... ... ... وكطسمٍ وأختها في البعاد

وقد جاء بنفس من جزالة ابن مناذر وابي زبيد قبله في قوله:

هذه دولة المكارم والرأ ... ... ... فة والمجد والندى والأيادي

كسفت ساعة كما تكسف الشمـ ... ... ... ـس وعادت ونورها في ازدياد

على أن هذه القصيدة في غير الغرض الذي نظم فيه ذانك ولا تشبههما. وغرضها شديد الشبه بغرض أبي تمام في داليته، ولاشك أن أبا تمام كان ينظر إلى ابن مناذر كما نظر ابن مناذر إلى أبي زبيد.

وقد جاء بعد المتنبي شاعر عظيم هو أبو العلاء المعري، نظر إلى ابن مناذر مباشرة في لفظه ومعانيه وطريقته في ضرب الأمثال، كما نظر إلى أبي تمام والمتنبي في روي والوزن وأسلوب التوليد بغرض المباراة لا المحاكاة، والمجاراة لا التبعية، وذلك في كلمته المشهورة (١):

غير مجد في ملتي واعتقادي ... ... ... نوح باكٍ ولا ترنم شاد

وهي كلمة قالها في رثاء فقيه حنفي. وقد صارت في العصر الحاضر من المختارات المدرسية إلا أن أكثر الاختيار يقع في أبيات الحكمة والتأمل منها. فلا بأس


(١) التنوير ١: ٣٠٣ - ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>