ألا لا تلوماني كفي اللوم ما بيا ... وما لكما في اللوم خير ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعها ... قليل وما لومي أخي من شماليا
أي ليس اللوم من سجياتي. وما أحسب المخاطبين إلا شيئًا واحدًا جرده من نفسه وجعله صاحبين- وقد فسر بشار هذا من مذهب الأوائل كما قدمنا حيث قال:
أيها الساقيان صبا شرابي ... واسقياني من ريق بيضاء رود
وهذا ما لا يكون إلا على معنى التجريد الذي قدمناه.
ثم خاطب الحارث من حال أسره راكبًا أي راكب يبلغ عنه قومه. وبعد أن نهى عن أن يلام هو، أنحى باللائمة على قومه إذ أسلموه، ففسر ما كان من قبل عماه من سبب نهيه عن الملامة، إذ لا خير فيها، إذ يظهر بعد التمحيص خطأ قومه الذين أسلموه لا خطؤه هو- فتأمل.
فيا راكبًا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسًا بأعلى حضرموت اليمانيا
جزى الله قومي بالكلاب ملامة ... صريحهم والآخرين المواليا
ولو شئت نجتني من الخيل نهدة ... ترى خلفها الحو الجياد تواليا
وهذا ما صنعه الحارث بن وعلة إذ فر.
ولكنني أحمي ذمار أبيكم ... وكان الرماح يختطفن المحاميا
وقد اختطف أسيرًا وشد وثاقه:
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا لي لسانيا
أمعشر تيم قد ملكتم فأسجحوا ... فإن أخاكم لم يكن من بوائيا
أي أنا أشرف شرفًا من أخيكم الذي تريدون قتلي بواء به والبواء في الثأر أن يقتل امرؤ بمن يساويه. قال ابن الأنباري في شرحه البواء السواء قال أحمد أي لم يكن أخوكم نظيرًا لي فأكون بواء له.- أحمد هو أحمد بن عبيد بن ناصح من شيوخ أبي محمد القاسم بن بشار الانباري صاحب الشرح ورواه عنه ابنه أبو بكر محمد بن القاسم رحمهم الله.
فإن تقتلوني تقتلوا بي سيدًا ... وإن تطلقوني تحرببوني بماليا
وكأنه أحس إجماعهم على قتله فأخذ في البكاء على نفسه.