للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

إن هذه وقفة حنين وقلب حزين- قال الأخنس، والقصيدة مفضلية حماسية، حذف منها أبو تمام أبيات ديار القبائل وإنما بنى أمره على الاختيار لا على محض الرواية:

لابنة حطان بن عوف منازل ... كما رقش العنوان في الرق كاتب

هذا أول القصيدة عند المفضل وروى أبو تمام قبله بيتًا وجاء به ثانيًا هكذا:

فمن يك أمسى في بلاد مقامة ... يسأل أطلالًا بها لا تجاوب

فلابنة حطان بن قيس منازل ... كما نمق العنوان في الرق كاتب

وكأن هذا المطلع ينكر البدء بذكر الطلل ثم يرجع إلى ذلك كصنيع عنترة، فإن صح هذا الذي نراه، فلعله مما يكون أبو تمام قد آثر به هذه الرواية، غير أنه لا ريب أن رواية ما روى عن المفضل أجدر أن يعول عليها.

هذا وبعد الوقفة قليلًا، رجع الأخنس إلى مذهب ما أخذ به من الجد والحزم. وإنما وقف لقضاء حق الذكرى وتوديع عهدها، وداعًا كل الوداع:

ظللت بها أعرى وأشعر سخنةً ... كما اعتاد محمومًا بخيبر صالب

وهذا من جيد أوصاف الحمى، وكان الأستاذ التجاني الماحي رحمه الله مما ينشد هذا البيت ويقرنه بقول عبدة بن الطبيب:

رس كرس أخي الحمى إذا غبرت ... يومًا تأوبه منها عقابيل

ويقول إن ذلك من أدق ما وصفت به حمى الورد وهي التي يقال لها الآن الملاريا ويقرن بذلك أبيات المتنبي من قصيدته الميمية المشهورة:

وزائرتي كأن بها حياء ... فليس تزور إلا في الظلام

ومما يحسن أن نستطرد به هنا ما عيب به قوله:

إذا ما فارقتني غسلتني ... كأنا عاكفان على حرام

إذ الغسل واجب على كل حال. ومقال أبي الطيب جيد محكم لأنه جعلها زائرة في الظلام، فلا يكون وصلها إلا حرامًا.

ثم يقول الأخنس وهذا البيت متقدم في رواية ما اختاره حبيب:

<<  <  ج: ص:  >  >>