للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول:

فوالله ما أسقي البلاد لحبها ... ولكنني أسقي الحبيب المودعا

تحيته منى وإن كان نائيا ... وأمسى ترابًا فوقه الأرض بلقعا

ولو كانت القصيدة انتهت ههنا لكان في ذلك بلاغ بليغ، ولكن الشعر ربما انبثق من الشعور دفعات.

وقد بلغ الشاعر بفكرة الأسى على مالك من حيث فقد الرجل العظيم الذي كأنه مبلغ ما صار به إلى أن يحزن عليه ويعتز بذكراه.

ولكن بقى بعد ذلك ما يعقب الحزن والاعتزاز من عواقب الفقد التي تعظم بها الفجيعة، فقدان النصير، وتضعضع الجاه والوجاهة وانجراح الفؤاد أمام توالي النوائب، ولقاء الشماتة والتجلد للأعداء والحساد، وتعذر الثأر والقصاص وهلم جرا.

تقول ابنة العمري مالك بعد ما ... أراك حديثًا ناعم البال أفرعا

فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ... ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا

وفقد بني أم تداعوا فلم أكن ... خلافهم أن أستكين وأضرعا

ولكنني أمضي على ذاك مقدما ... إذا بعض من يلقى الحروب تكعكعا

هنا كرر ما قدمه في أول بيت حيث قال:

.. ولا جزع مما أصاب فأوجعا

ولكنه هناك أجمل وهنا أخذ في نوع من التفصيل- ثم زاد تفصيلًا يوضح ما أجمله في جواب صاحبته حيث قال لها:

فقلت لها طول الأسى إذ سألتي

وكأن قد توهمها تسأله عن طول الأسى هذا أن يزيدها فيه بيانًا فقال:

وغيرني ما غال قيسًا ومالكًا ... وعمرًا وجزءًا بالمشقر ألمعا

وما غال ندماني يزيد وليتني ... تمليته بالأهل والمال أجمعا

فذكر كما ترى فجائع مرت به قبل مقتل مالك، فكان مقتله مما نكأ قرحها وجدد الحزن وزادت به حال الضعف وتضعضع منزلة الحي.

وإني وإن هازلتني قد أصابني ... من البث ما يبكي الحزين المفجعا

ولست إذا ما الدهر أحدث نكبة ... ورزءا بزوار القرائب أخضعا

في هذا البيت السادس والثلاثين أدخل الشاعر عنصرًا جديدًا زاد به في تتابع تسلسل فكرة الفجيعة- وهو هؤلاء القرائب الذين أفادوا منزلةً وجاهًا بعد هلاك مالك. ولن

<<  <  ج: ص:  >  >>