يقترب هو منهم أو يبدي خضوعًا لهم- ويلتفت في سياق هذا الحديث إلى امرأته مرة أخرى:
قعيدك ألا تسمعيني ملامة ... ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا
ثم كأنه يعتذر عن بعض التقصير إذ يقول من بعد:
فقصرك إني قد شهدت فلم أجد ... بكفي عنهم للمنية مدفعا
إنما هو القدر ودول الأيام.
ومما ينبه عليه ذكر متمم لابنة العمري وحديثه إليها والكلمة مرثية كما ترى. والحق أن ذكر النساء في باب الرثاء ليس بشاذ وإن يك الاستهلال به على المألوف من مذهب ظاهر حنين النسيب نادرًا كقول دريد:
أرث جديد الحبل من أم معبد
وقد تعلم أن النساء كن هن النائحات، فقد يخاطبن في أول الرثاء بهذا المعنى كقول كعب بن مالك في رثاء سيد الشهداء:
صفية قومي ولا تعجزي ... وبكى النساء على حمزة
وقد يذكر الشاعر النوائح للإخبار بإدراك الثأر كقول الربيع بن زياد:
من كان مسرورًا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء سوافرًا يبكينه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
وقد يذكر الشاعر النساء لينبه على أن الفجيعة قد صرمت عهده منهن وأبدلته بطلب أنسهن حزنًا وبكاءً- وإلى هذا المعنى أو قريب منه ذهب الذي رثى قتلى بدر فقال:
ألمت بالتحية أم بكر ... فحيوا أم بكر بالسلام
ألا يا أم بكر لا تكري ... على الكأس بعد أخي هشام
وقال الحماسي:
أرابع مهلًا بعض هذا وأجملي ... ففي اليأس ناه والعزاء جميل
ورابعة هذه امرأته وأم ابنه الذي مات وجعلها هي الجازعة ثم أقر من بعد بجزعه هو أيضًا.
فإن الذي تبكين قد حال دونه ... تراب وزوراء المقام دحول
نحاه للحد زبرقان وحارث ... وفي الأرض للأقوام قبلك غول
وأي فتىً واروه ثمت أقبلت ... أكفهم تحثى الثري وتهيل