هؤلاء القرائب هم الذين بغبطة هذا اليوم، هم الفرحون. وهم لعل منهم الشامت- هذا مما يجدد الحزن، وانصرف متمم إلى وصف أحزانه، وجاء بهذا التشبيه:
وما وجد اظآر ثلاث روائم ... أصبن مجرًا من حوار ومصرعا
والحوار هو الصغير من الإبل، وروائم جمع رائمة ومنه قولنا أم رءوم أي ترأم ولدها أي ترحمه وتحنو عليه يصف نوقًا ثلاثًا أصبن صغيرهن قد ذبح وجر.
يذكرن ذا البث الحزين ببثه ... إذا حنت الأولى سجعن لها معًا
إذا شارف منهن قامت فرجعت ... حنينًا فأبكى شجوها البرك أجمعا
بأوجد مني يوم قام بمالك ... مناد بصير بالفراق فأسمعا
التشبيه مألوف، كثير في المراثى ومعاني الأسى والحنين- قالت الخنساء:
وما عجول على بو تطيف به ... لها حنينان إعلان وإسرار
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
يومًا بأوجع مني حين فارقني ... صخر وللدهر إحلاء وإمرار
وقد جعلت الخنساء المشبه به ذات البو، فشبهت حال حزنها على بوها بحال حزنها هي على صخر.
وفائدة مثل هذا النوع من التشبيه أنه يحمل مع معنى الحزن معنى العزاء لأن الحزين لا يفطن إلى صورة حزين آخر فيوازن نفسه به إلا وقد ابتعد هو بنفسه عن ملابسة الحزن كل الملابسة بحيث يقدر أن يتأمله من مسافة بعده ثم يصفه. ومن أجل ذلك لم يلزم في مثل هذا الضرب من التشبيه أن يكون مبتكرًا ولكن أن يكون مألوفًا، إذ الألف يجري مجرى التذكير والعظة.
ومع التعزي يكون شيء من التسلي ويؤوب الجلد ويفطن المرء لما حوله مما كان شغله عنه وجع الحزن وذهول الجزع.
بأوجد مني يوم قام بمالك ... مناد بصير بالفراق فأسمعا
تأمل لفظ «بصير» الذي وصف به المنادي وهو السميع المسمع. ثم مع هذا المنادي القادم بمعنى مالك وهو يعلم مرارة وقع الفجيعة على من ستقع به، أخبار أخرى مما يسوء -هي أخبار هذا المحل- قالوا هو رجل مر بما لك قتيلًا فلم يواره وقالوا أعطي