المحل سلب مالك ففرح به وأقبل راجعًا. ولعل الذي جاء بمنعي مالك ورفع صوته به وخبر بمقتله هو هذا المحل، يدل على ذلك قول متمم:
بمشمته إذ صادف الحتف مالكًا ... ومشهده ماند رأى ثم ضيعا
أأثرت هدمًا باليًا وسوية ... وجئت بها تعدو بريدًا مقزعا
فهذا الرجل قد حضر مقتل مالك وأظهر شماتة وأخذ سلبه ثم جاء كأنه صاحب البريد يحمل أخبار الشؤم والمساءة.
فلا تفرحن يومًا بنفسك إنني ... أرى الموت وقاعًا على من تشجعا
واجعل هذا الشامت الذي جاء به قبيل آخر القصيدة بمنزلة مقابلة للمنهال الذي بادر بذكره بعد أول بيت- وشتان ما بين الرجلين
العلك يومًا أن تلم ملمة ... عليك من اللاتي يدعنك أجدعا
هذا كالدعاء عليه.
نعيت أمرًا لو كان لحمك عنده ... لآواه مجموعًا له أو ممزعا
وهذا كالشتم.
فلا يهنئ الواشين مقتل مالك ... فقد آب شانيه إيابًا فودعا
أي أما شانيه فقد آب وأما هو فقد ودع، وهذه خاتمة مشعرة بالحسرة والتجلد للأيام معًا. وحسبنا هذا القدر في التمثيل للتسلسل المطرد في ضوء فكرة واحدة. وكثير مثله مما يرد في قصائد الوصايا والحكم.
هذا والضرب الثاني من ضروب التسلسل مما جيء به على سياق عادة الشعراء من أجود أمثلته بائية علقمة.
طحا بك قلب في الحسان طروب
وهذا الضرب والذي قبله قد يتداخلان كما قد تدخل فيهما ضروب كثيرة مما سنذكر من بعد ومما قد لا يتسع المجال لذكره. ولن نفتأ نكرر للقارئ الكريم ما قدمناه من أن الشعر كل واحد جميع وإنما نجزئه من أجل الدرس.
وقد جعلنا بائية الأخنس وقافية تأبط شرًا من الضرب الأول، لأن البداية النسبية الإلماع فيهما غير خارجة حقا عن حيز التسلسل الذي بعدها وإنما هي إلماع وإيماء ليس غير، فوجب حمل الأقل على الأكثر، وهو الفكرة المنتظمة لسائر بيان الشاعر.