إذا غاب عنها البعل لم تفش سره ... وترضى إياب البعل حين يؤوب
وهذا أخذه الشنفري حيث قال:
إذا هو أمسى آب قرة عينه ... مئاب السعيد لم يسل أين ظلت
وقد فصل ما أجمله علقمة- ثم يقول علقمة:
فلا تعدلي بيني وبين مغمر ... سقتك روايا المزن حين تصوب
الدعاء لها بالسقيا مشعر بالبعد. وقوله فلا تعدلي، فيه رجعة إلى معنى طربه عصر حان مشيب، فإن يكن الشباب قد فاته، فقد فاتت معه عجلته وطيشه وقلة تجاربه، فلا ينبغي أن يخدعها منظر من هو أشب منه ولكنه مغمر لا تجربة عنده يكون معها صلاحها وإسعادها. وفي مثل هذا التقرب نوع من كناية -كأنه يخاطب الملك ويقول له إن يكن أخي قد حاربك فهو غر غير مجرب، وهأنذا أشفع بتجربتي ومديحي فيه عندك- وكرر السقيا إمعانًا في التقرب والتحبب.
سقاك يمان ذو حبي وعارض ... تروح به جنح العشي جنوب
ومع ذلك البعد.
وما أنت أم ما ذكرها ربعية ... يخط لها من ثرمداءً قليب
فهذا أول انصرافة عن ليلى التي شط وليها وعدت عنها العوادي. ليست هي من قومك الأدنين ولن تراها حتى تموت، هذا على معنى أن القليب هو القبر. وأظهر من ذلك أن ثرمداء هذه مكان ناء وأنها مقيمة به عند قليب تشرب منه. وكان العرب أهل آبار، لولاها لهلكوا. ثم أتبع هذه الانصرافة عنها لبعدها وعداوة قومها أو بعد علاقتهم وأنها في حجاب ورقيب، انصرافة عن النساء عامة، ورجوعًا إلى ما ينبغي لمثل من هو في سنه من أتباع الرشاد:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب
بردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب