للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أعلمنا من قبل أن شبابه قد ولى وأنه حان عصر مشيبه، وأنبأ هنا من جانب إشارة خفية أن لا مال عنده- فعلام التصابي؟

فدعها .....

إلى ها هنا ينتهي النسيب، وقد فتح به مجال القول بما ضمنه فيه من كناية وإيحاء، - ولكن ماذا يصنع وقد أقلقه قلبه الطروب بما أقلق، فلا بد عند الانصراف من وجه ينصرف إليه ويقبل على الانصراف إليه قلبه.

فدعها وسل الهم عنك بجسرة ... كهمك فيها بالرداف خبيب

إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب

جاء في هذين البيتين بالرحلة ووسيلتها وهي راحلته التي معناها متضمن بعض معاني نفسه وهمه- يدلك على ذلك قوله:

كهمك فيها بالرداف خبيب

ولم يكن معه عليها رديف على الأرجح، ولكن ظاهر المعنى المبالغة، أي هي تقوى على الخبب بالردف، ثم إذ هي كهو وكهمه فكأنه ردف لها- فعلى هذا الرداف بها قوة بلا ريب.

ومع الرحلة ووسيلتها جاء فيهما أيضًا بالغرض الذي من أجله ارتحل. وتأمل قوة صلة قوله: «أعملت ناقتي» مع قوله: «فيها بالرداف خبيب» والخبيب اعتمالها، ومع قوله «كهمك» وقوله «أعملت ناقتي» كالتفسير لهذا اللفظ الموجز.

ثم هو هنا قد خلص من مقدمة نسيبه ذات الطرب والكناية والسقيا والفكاهة والأسى والحكمة -كل أولئك معًا- إلى هذا البيان الصريح الواضح الشافي الذي هتك به أستار ما كان قدمه قبل من خوف وتهيب عند قوله:

محجبة ما يستطاع كلامها ... على بابها من أن تزار رقيب

لا ريب أن مثل هذه المواجهة المبينة قد قرعت سمع الحارث الملك أيما قرع.

بعد هذه المواجهة رجع علقمة إلى الناقة التي زعم أنه أعملها، وفي هذا استئناف للتهيب، واعتذار للملك بإيجاب بعض الحق عليه إذ يذكر ما لقيه وما لقيته راحلته من مشقة. ولعلمه أنه امرؤ ناء من بلد ناء ووافد من قبل دار خصوم حاربوا الحارث وانتصر عليهم متشفعًا في أمر أخيه الذي كان مع عدوه ملك الحيرة وقد أسر- لعلمه جميع هذا احتاج إلى تقرير لإيجاب الحق بقصد الملك والمشقة التي تكلفها بعد تقرير، ليؤكد مراده تأكيدًا لا يدع عند الملك موضعًا لأدنى شك في صدق نيته إذ عقد العزم على قصده:

<<  <  ج: ص:  >  >>