للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليك أبيت اللعن كان وجيفها ... بمشتبهات هو لهن مهيب

كما أنت مهيب.

هداني إليك الفرقدان ولا حب ... له فوق أصواء المتان علوب

بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب

تأمل هذه الوحشة والمناظر المفزعة والضياع بين الأماريت

تراد على دمن الحياض فإن تعف ... فإن المندى رحلة فركوب

ويروى ترادي أي تداري وهي رواية كتاب سيبويه استشهد به في باب حتى قال «لم يجعل ركوبه الآن ورحلته فيما مضى، ولم يجعل الدخول الآن وسيره فيما مضى، ولكن الآخر متصل بالأول، ولم يقع واحد دون الآخر».- قوله السير والدخول يشير به إلى اتصال السير بالدخول في نحو سرت فأدخلها. والمندى مصدر ميمي وهو التندية وذلك أن تشرب الإبل قليلًا ثم ترعى قليلًا ثم ترد فتشرب. يقول إنها تراد على المياه المتغيرة ذات الدمن من بقايا الحياض فإن عافت فليس لها بعد ذلك مرعى ولا شراب ولكن الركوب والسير.

ومن تأمل هنا أحس كأن ها هنا نوعًا من كناية، جعل فيه الشاعر راحلته رمزًا رمز به لنفسه، أنه حمل نفسه على أن يرد هذا المورد، فإن عافه فلا يجد شيئًا. والعرب تسمى الحقد والضغينة دمنة. وتتحدث عن حياض المنايا- وفي شعر منسوب إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وقيل هو مما صح له:

حياض المنايا تقطر الموت والدما

وقال كعب بن زهير:

لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل

فقوله «دمن الحياض» مع الدلالة الظاهرة على الماء وبقايا الروث في الحوض فيه معنى ما كان من حرب وعداوة وأحقاد وضغائن تركها ذلك وهو قد أقدم ليشرب من أسارها موقنًا أنه إن لم يفعل فليس بعد ذلك إلا الهلاك.

فلا تحرمني نائلًا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب

ثم ليس هو غريبًا فقط ولكنه شاعر يعرف كيف يمدح ويفضل سيدًا على سيد:

وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربتني فضعت ربوب

أي أنت الآن سيدي. وكان لي سادة قبلك فأضاعوني.

<<  <  ج: ص:  >  >>