وقبلك ربى قوم ملكًا فأضاعوه وغودر قتيلًا في بعض الجنود. وربتك بنو كعب ابن عوف فقد نصروك وانتصروا بك.
فأدت بنو كعب بن عوف ربيبها ... وغودر في بعض الجنود ربيب
قدمنا تفسير هذا البيت من أجل التنبيه على جانب اللعب اللفظي، حيث صار الشاعر من بعد ذكره «ربتني» بمعنى كانت لي أربابًا وسادتني إلى ذكره الربيب المشتق من ربب وربى التي للتربية لا للربوبية والسيادة.
ولا يخفى أن هذا داخل في تسلسل كلام الشاعر واتصال أواخره بأوائل ما يليهن- ثم في ذكر الشاعر بني كعب بن عوف التفاتة ذات أهمية بالغة، إذ عسى بذلك أن يكونوا عونًا له في الأمر الذي قدم من أجله أو على أقل تقدير، أن يأمن جانبهم فلا يحذروا الملك منه أو يضعفوا من شأنه عنده.
وأخذ في المدح وصفة الحرب، فأبدع مع الإيجاز، إبداعًا عزيز النظير- وذلك قوله:
فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب
فارس الجون هو الحارث- خصه بعد أن مدح قومه وجنده وفضله عليهم، وذلك ما ينبغي في مثل ذلك المقام، ثم لم ينس قومه أن يمدحهم بأنهم لم ينهزموا من جبن ولكن قد صدمهم فارس الجون، ولولاه لانتصروا وآب خصومهم خزايا يحمدون النجاة إن وجدوا سبيلها.
تقدمه حتى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الدارعين ضروب
مظاهر سربالي حديد عليها ... عقيلًا سيوف مخذم ورسوب
فقاتلتهم حتى اتقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النهار غروب
فدل على أن القتال استمر النهار كله وما فضه إلا إقدام الحارث وانبراء ملك الحيرة له فقتله قبيل الغروب، فكانت الهزيمة وذلك كان يوم عين أباغ- وبعد أن صور هذه الصورة الباهرة للحارث، أتم صفة القتال بتصوير ساحته كلها وما كان فيها من عراك:
تخشخش أبدان الحديد عليهم ... كما خشخشت يبس الحصاد جنوب
وقاتل من غسان أهل حفاظها ... وهنب وقاس جالدت وشبيب