للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يذكر القارئ الكريم وقفتنا من قبل عند هذا المطلع وقولنا إنه «لأمر ما مثلًا اختار النابغة أسمي العلياء والسند في مستهل المطلع ثم زعم أن ذلك قد أقوى ومر عليه زمن بعيد، ولأمر ما وقف عند الدار أصيلًا لا بعد أن مضى الضحا والظهر والعصر جميعًا ثم لم يجد جوابًا ولم يلق في الدار أحدًا إلخ».

بنى النابغة قصيدته على أجزاء عادة الشعراء من نسيب ورحلة وخروج من ذلك إلى الغرض.

وضمن كل جزء ألوانًا من عادة الشعراء فنعت معالم الدار في مقدمة النسيب، ومع أنه جعل عمودها الطلل الموحش، لم يأل أن ضمن ذلك ذكرى عهد كان معمورًا وكانت الوليدة فيه تعمل.

ردت عليه أقاصيه ولبده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد

خلت سبيل أتي كان يحبسه ... ورفعته إلى السجفين فالنضد

أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد

وتأمل السجفين هنا، وقد تعلم قوله من قبل في المتجردة.

قامت تراءى بين سجفي كله ... كالشمس يوم طلوعها بالأسعد

فهل الوليدة كناية عن المتجردة؟

وقوله بعد هذا:

فعد عما مضى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانة أجد

ليس منقطعًا عما قبله بل متصل به، إذ قد أخنى على المكان ما أخنى على لبد من الفناء فلا معنى لإطالة الوقوف عنده، ذلك زمان مضى فعد عنه وأقبل على زمان جديد. نظر النابغة بلا ريب إلى طريقة الانقطاع المتصل الذي جاء به علقمة حيث قال:

فدعها وسل الهم عنك بجسرة ... كهمك فيها بالرداف خبيب

ورب قائل إن هذا سبيل مطروق من مذاهب شعر العرب، وهو كذلك، إلا أن الشعراء ينظر بعضهم إلى بعض في الدقائق من صور وطريقة لفظ وإيقاع وأنواع أسلوب. وإضراب علقمة بعد أن وفي بابًا حقه من القول فأصبح الانصراف عنه لازمًا، وهكذا صنع النابغة وعلقمة سابق فقد اتبعه. ثم جانس علقمة بين الهم وهمك

<<  <  ج: ص:  >  >>