في قوله «كهمك فيها» - ولم يخل النابغة من روح مجانسة خفية -أو قل مقابلة- بين «رفعته إلى السجفين» وبين «وانم القتود على عيرانة» - ثم أقبل على صفة الناقة فقال:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف القعو بالمسد
والقعو البكرة. والبئر تكون عند الحاضر فصلة هذا المعنى بالوليدة ومقام الحي كما ترى.
ثم لما أخذ النابغة في وصف الناقة والرحلة ضمن ذلك ما اعتاده الشعراء من الاستطراد إلى نعت الوحش. وصنيعه هنا كصنيع علقمة حيث قال:
وناجية أفنى ركيب ضلوعها ... وحاركها تهجر فدءوب
وتصبح عن غب السري وكأنها ... مولعة تخشى القنيص شبوب
تعفن بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذت نبلهم وكليب
إلا أن علقمة جعل المشبه به بقرة وجعله النابغة ثورًا، وتأمل اختيار النابغة ألفاظه وما يخالط ذلك من روح معاني الغرض الذي هو بسبيله:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد
والمستأنس الوحد هو الثور الوحشي الذي أحس أو توجس نبأه من الإنس فخاف والجليل الثمام وذو الجليل موضع أو مكان ما فيه هذا الجليل فأشار إليه بما فيه وهو مقبل على أمر جليل وهو وحد ومستأنس.
وقد اختصر علقمة الوصف لأن أربه صفة انخراط سيره وجده وتشميره حتى يبلغ الحارث الوهاب. ولكن النابغة قصد إلى معنى من الكناية وهو في طريق المعتذر المتهيب المؤمل الحذر إلى النعمان- هو هذا الثور المستأنس الوحد. والوشاة هم هؤلاء الكلاب، وقد انتصر عليهم:
شك الفريصة بالمدرى فأنفذها ... شك المبيطر إذ يشفى من العضد
كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد
فظل يعجم أعلى الروق منقبضًا ... في حالك اللون صدق غير ذي أود
الذي ظل يعجم أعلى الروق هو الكلب ضمران. وتأمل إلى تضوره هنا. «حالك اللون» هو قرن الثور الأسود المستقيم كالسنان. غير ذي أود أي ليس به اعوجاج. وقد