قلنا من قبل في أخريات حديثنا عن الأوصاف:«ولكأن الكلب المتضور في دالية النابغة هو أحد هؤلاء الوشاة».
لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود
قالت له النفس إني لا أرى طمعًا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
واشق هذا كلب آخر وواش آخر. ولئن صح الخبر الذي ذكروه أن المنخل اليشكري كان يختلف إلى المتجردة، وأنه غار من وصف النابغة لها وكاده عند النعمان، ثم إن أمره هو قد عرفه النعمان من بعد فحبسه ووكل به عكبا فعذبه ورووا أنه قال:
يطوف بي عكب في معد ... ويضرب بالصملة في قفيا
وقتله آخر الأمر- لئن صح هذا الخبر فضمران المتضور المقتول هو المنخل، والروق الذي شك الفريصة فأنفذها هو شعر النابغة. وواشق هذا واش آخر آثر السلامة لما رأى هلاك ضمران.
فتلك تبلغني النعمان إن له ... فضلًا على الناس في الأدنين والبعد
رجع إلى ما كان فيه من أمر الرحلة والناقة وجعل ذلك خاتمة لهذا الجزء الذي أطال فيه ووفاه حق القول فيه. ثم إنه لم يترك أتباع علقمة والنظر الشديد إليه- فكما طريقة قوله فعد عما مضى إلخ كطريقة قول علقمة «فدعها وسل الهم عنك إلخ».
كذلك قوله هنا «فتلك تبلغني النعمان إلخ» طريقته مثل طريقة قول علقمة:
إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب
وعجز بيت علقمة تتميم لمعنى قوله «أعملت ناقتي» فوصف حال إعمالها من اضطراب كلكلها ووجيب أضلاعها القصري. وسائر بيت النابغة من عند آخر الصدر إلى آخر عجزه تتميم وتفسير للمعنى المتضمن في قوله «فتلك تبلغني النعمان» إذ هو لم يتبع اسم النعمان وصفًا يمدحه به ويغني عن الشرح كما فعل علقمة حيث قال: «إلى الحارث الوهاب» - فهذا التفسير المصدر بإن وفيها ما نعلم من دلالة التوكيد، هو بمنزلة قول الحارث الوهاب، وبنظر إليه ومحاكاة خفية له.