وههنا درجة-
انتقل من بكاء الشباب إلى صفة حال المجد
وانتقل من السير إلى العود بالخيل وقد تثملت سنابكها- وتأمل الكافات والسين والراء والجيم وانظر أي مبلغ يبلغه الافتنان في بيان هذه اللغة ورنات إيقاعها
والعاديات أسابي الدماء بها ... كأن أعناقها أنصاب ترجيب
من كل حت إذا ما ابتل ملبده ... صافي الأديم أسيل الخد يعبوب
فانتقل كما ترى إلى نعت الخيل، وحبه لها بين، وكذلك حبه لهذه الأنصاب التي تعظم وتنحر لها وتذبح الضحيات. وجعل بعضهم سلامة من شعراء النصرانية وهذا من قوله يكذبه، وقد فطن إلى ذلك المستشرق البارع ليال ونبه عليه كما ذكرنا لك من قبل، الحت السريع واليعبوب الجواد الواسع الجري كأنه عباب وكأنه بحر وأسابي الدماء طرائقه الواحد إسباءة وقالوا الأسابي ألوان الدم وقريب منها الأساهي بهاء بعدها ياء مشددة وهذه لا واحد لها وجاء بها سلامة في كلمته هذه وقريب منهما الأساوي بلا تشديد، منقوص وهي الدفعات وكأنها جمع لإسوة وجاء بها سلامة أيضًا.
ثم أخذ سلامة في نعت الخيل وكان بها عالما، جعل ذكر الجد ثم ذكر السير ثم ذكر الرجوع والعاديات كل ذلك درجات إلى نعتها- وقد مر بك قوله أنها رجعت أدراجها فكأن زعمنا أنه تدرج فيه بعض النظر إلى هذا اللفظ-
ليس بأسفي ولا أقني ولا سغل ... يعطي دواء قفي السكن مربوب
في كل قائمة منه إذا اندفعت ... منه أساو كفرع الدلو أثعوب
كأنه يرفئي نام عن غنم ... مستنفر في سواد الليل مذؤوب
يرقى الدسيع إلى هادله بتع في جؤجؤ كمداك الطيب مخضوب
جعله العنق كمداك العروس وقد وصفه من قبل كأنه أحد الأنصاب المرجبة، ولم ينس ذلك لمكان الخضاب في هذا البيت يقوي معنى ما قدمناه من أن هذا مقال عربي مشرك تقربه الأنصاب إلى ربه زلفى لا مقال نصراني- وكان العرب- حتى في جاهليتهم لا يخلون من نظر نافر عن النصرانية وبعض ازدراء يدلك على ذلك قول جابر بن حني:
وقد زعمت بهراء أن رماحنا ... رماح نصارى لا تخوض إلى الدم
وما كنت لتقوله بهراء وحدها.