وقد مر شرح الأبيات المتقدمة إذ قد استشهدنا بها في باب الأوصاف من الأغراض عند ذكر الخيل
تظاهر الني فيه فهو محتفل ... يعطي أساهي من جري وتقريب
وقد انتقد الأصمعي قول أبي ذؤيب:
قصر الصبوح لها فشرج لحمها ... بالنى فهي تثوخ فيها الإصبع
وما ذكروا أنه عاب هذا البيت من قول سلامة. وما أشبه أن يكون سبب ذلك أن سلامة لما ذكر الني أي الشحم ذكر معه الرياضة والتضمير الذي يذهب به وهو قوله:
يعطي أساهي من جري وتقريب
ولم يذكر أبو ذؤيب شيئا من ذلك وقال زهير:
غزت سمانا فآبت ضمرا خدجا ... من بعد ما جنبوها بدنا عققا
فذكر مع السمن التضمير
من أجل هذا ما زعم الأصمعي أن أبا ذؤيب لم يكن له علم بالخيل، وربما تحامل عليه إذ له فيما قال زهير وسلامة عاذر وإن لم يحترس كما احترسا. وأخطأ ليال إذ أخذ على سلامة قوله «تظاهر النى» وإنما أتى من مقال أبي سعيد في أبي ذؤيب والأمران لا سواء.
ثم يقول سلامة:
كم من فقير بإذن الله قد جبرت ... وذي غنى بوأته دار محروب
فهذه درجة صار منها إلى خبر الحرب ووصفها ثم إلى الفخر، «وبإذن الله» ليس مما يقوله النصارى. وكانت العرب قبل الإسلام تقول إذ كانوا مع الشرك أهل توحيد، وخاصة عند الشدة، والحرب شدة، وقد استفتح أبو جهل يوم بدر فحاق بهم ما كانوا به يستهزئون، وقد جاء وصف الحرب من بعد فقال سلامة يذكر الخيل فهذا متصل بما قبله ثم يذكر الحرب فهذا درجة لما بعده:
مما تقدم في الهيجا إذا كرهت ... عند الطعان وتنجى كل مكروب
وفي هذا أيضا كالرجعة إلى قوله:
والعاديات أسابي الدماء بها
ثم أخذ في الفخر، فهذا زعمنا أنه تدرج
همت معد بناهما فنهنهها ... عنا طعان وضرب غير تذبيب
بالمشرفي ومصقول أسنتها ... صم العوامل صدقات الأنابيب
يجلو أسنتها فتيان عادية ... لا مقرفين ولا سود جعابيب