وكأن عنترة قد أخذ من قول المثقب هذا حيث قال:
وشكا إلى بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
وقد زاد في المعنى كما ترى
فهذه درجات الرحلة الثلاث- ثم يقول:
فرحت بها تعارض مسبطرا ... على صحصاحه وعلى المتون
إلى عمرو ومن عمرو أتتنى ... أخي النجدات والحلم الرصين
فهذه درجة- وهي تجاوب ما تقدم من نشاط ناقته أول ما وصفها، ثم الدرجة الثانية تقابل مناجاته الناقة ومناجاة الناقة له، كما فيها أصداء حديثه لفاطمة:
فإما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثى أو سمينى
وإلا فاطرحني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني
فهذا كقوله: فإني لو تخالفني شمالي إلخ
ثم الدرجة الثالثة، وهي كما قدمنا ذكره من قبل ذروة القصيدة وغاية مقاصدها من الحكمة
- عندما قال لفاطمة «كذلك أجتوى من يجتويني» وعندما قال لها:
لعلك إن صرمت الحبل بعدي ... كذاك أكون مصحبتي قروني
كان له مفر إلى الناقة وبها إلى عمرو
وقد ملت الناقة وبرمت، وإنما الناقة هي نفس الشاعر، (بسكون الفاء هنا) وذلك أن من تهلك ناقته بالصحراء يهلك هو أيضا.
وقد تغير عمرو عن حاله أو يخشى هو أن يكون قد تغير وإذن فماذا يصنع:
وما أدرى إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني
أالخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني
من تأمل هذا علم أن الشر لابد بالغ ما يبتغيه، والخير إنما هو أعاليل، والمرء يفر، يطلب الخير- ثم إن أسباب المنايا، إنهن لبالمرصاد، هذه مأساة الحياة
هذا والقارئ الكريم واجد بعد في الشعر أمثلة كثيرة مما سيق على منهج النسيب فالرحلة ومما لم يسق على ذلك والشاعر يتدرج به تدرجا من معنى إلى معنى- نضرب أمثلة على ذلك مشيرين إليها من غير تفصيل لامية العرب، فإن الشاعر يورد المعاني بها درجة بعد درجة وخطوة بعد خطوة على أن فيها مواضع مما تتعقد فيه عناصر الربط