من تداعي المعاني إلى المقابلة- غير أن الذي ذكرنا أظهر. ولامية تأبط شرا:
إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلا دمه ما يطل
جيدة الترتيب. بدأ بذكر القتيل. ثم صفة ابن الأخت، يعني نفسه الذي سيطلب الثأر. ثم وقع خبر مقتل خاله عليه. ثم صفة هذا الخال القتيل. ثم صفة العدو والقتال. ثم غضبات الثائر وإدراك الثأر وشراب الخمر
صليت مني هذيل بخرق ... لا يمل الشر حتى يملوا
ينهل الصعدة حتى إذا ما ... نهلت كان لها منه عل
حلت الخمر وكانت حرما ... وبلأى ما ألمت تحل
فاسقنيها يا سواد بن عمرو ... إن جسمي بعد خالي لخل
ثم استراحة الخاتمة:
تضحك الضبع لقتلى هذيل ... وترى الذئب لها يستهل
وعتاق الطير تغدو بطانا ... تتخطاهم فما تستقل
كلتا اللاميتين- لامية العرب ولامية الثأر مشكوك في صحتهما، أنهما صنعهما الرواة. ولا ريب أنهما مع ذلك جيدتان. ولا يصح أن يقال إنهما صنعهما خلف الأحمر، فعلى جودة شعره، لا يبلغ جودة هاتين اللاميتين. ولئن صحت مقالة من قال بانتحالهما وهي على الأرجح صحيحة لتواترها عن لامية تأبط شرا ولأن الشك في لامية العرب منقول عن القالى وهو حجة وثقة، فينبغي أن يكون المنتحل أو المنتحلون من رواة العرب وقصاصهم أهل البلاغة والبراعة والخيال- ثم ينبغي أن يكون لما انتحلوه أصل من رواية صحيحة.
ومن الكلام المتصل المتدرج ميمية المخبل:
ذكر الرباب وذكرها سقم ... فصبا وليس لمن صبا حلم
ذكر الخيال والدار ومعالمها والمحبوبة إذ كانت بها وهي كالبردية ووجهها كالصحيفة النقية وهي كالدرة- وأخذ الشاعر في شيء من صفة الغوص والغواص
ولقد تحل بها الرباب لها ... سلف يفل عدوها فخم
بردية سبق النعيم بها ... أقرانها وغلابها عظم
ويروى «وغلا بها جسم» وهو قريب منه في المعنى إلا أن «غلا بها عظم» أجود لما فيه من الدلالة على حسن التغذية بسبب ما ذكره من أن تنعمها في الصغر جعلها تسبق أقرانها في النماء