هو قد وصل مرحلة اليأس فهي التي يبدأ بها. ثم كما يفعل بعض أصحاب القصص الآن إذ يرجعون بك إلى أشياء مضت من منطلق هو الآن، رجع بنا بشامة إلى ما كان من المقدمات والأحوال التي صارت به إلى اليأس- أتتنا تسائل عن أمرنا ما بثنا؟ فماذا كما كان يقول الدكتور زكي مبارك رحمه الله، ولا أعلم من أهل العصر من الجيل السابق من كان يتناول الشعر بسحر بيان بعد الدكتور طه حسين كمثل سحر بيانه- أتتنا:
... فقلنا لها قد عزمنا الرحيلا
وقلت لها ......
تأمل صيرورته إلى قلت بضمير المتكلم الواحد بعد أن كان جمعا، وفي هذا من الخصوصية والمناجاة ...
وقلت لها كنت قد تعلمين مذ ثوى الركب عنا غفولا
فهذا من أسباب اليأس كما ترى.
قال أحد الشيرزايين أحسبه سعدي الشيرازي ما معناه إنك إذا رأيت صديقك يجلس عند عدوك فاعلم أن وداده قد انتهى واهجره ...
وما كان لها من عذر غير الدموع:
فبادرتاها بمستعجل ... من الدمع ينضح خدا أسيلا
مسكين الشاعر، لا يملك إلا أن يتصباه- يتصبى جانبا من قلبه هذا الخد الأسيل ينضحه دمع الطرف الكحيل- دمع اعتذار ليس بعاذرها حقا وليس بمرضيه حقا
وما كان أكثر ما نولت ... من القول إلا صفاحا وقيلا
وعذرتها أن كل امرئ ... معدله كل يوم شكولا
فدموعها إذن دموع عزم على وداع، وتقبل افتراق
كأن النوى لم تكن أصقبت ... ولم تأت قوم أديم حلولا
أي كأننا لم نكن خليلين وكانت لنا حال وآل وبيننا ود ووصال. قال أحمد بن عبيد بن ناصح قوم أديم أي مجتمعين، أمرهم، واحد مجتمع فيهم أديم واحد، فعزمهم الدهر. قلت أي غلبهم الدهر.
وإذن فهذه هي المأساة، قد تبدلت به آخر- هي إذن الهاجرة، ولابد له إذن من هجرها الهجر الطويل، إذ ليس إلى غير ذلك من سبيل
فقربت للرحل عيرانة ... عذافرة عنتر يسا ذمولا
ينبغي أن تكون هكذا وأن تكثر صفات قوتها لكي يتسلى من هذه المأساة
مداخلة الخلق مضبورة ... إذا أخذ الخافقات المقيلا
وهكذا مضى في نعت الناقة، وصف سنامها كيف اكتنز وما كان من مراعاها وخنزوانتها إذ تسير إذ ما عودت غير الإكرام
لها قرد تامك نيه ... تزل الولية عنه زليلا
يعنى السنام والولية شيء يجعل تحت الرحل يقى ظهر الدابة من مباشرة الخشب
تطرد أطراف عام خصيب ... ولم يشل عبد إليها فصيلا