وما أجود ما قال أحمد بن عبيد بن ناصح. وغير الأصمعي حيث قاله لا أحسبه ما عنى به إلا نفسه.
ثم لم يزل الشاعر يقرو بتصويره الناقة أثر ما صور به أمامة التي هجرته وهجرها هجرا طويلا كما زعم- وهذا الصدر المتموج كأن عليه شليلا هو صدرها إذ تنخج ببكاء الوداع الهاجر. وهذه الأماكن التي مر هو عليها ومرت ناقته عليها هي أيضا مواضع مرور الظعينة إذ كما هو هاجر هي هاجرة وكما هو مودع هي مودعة.
فمرت على كشب غدوة ... وحاذت بجنب أريك أصيلا
توطأ أغلظ حزانه ... كوطء القوي العزيز الذليلا
وهذا التشبيه يوقف عنده.
الصفة للناقة ولأمامة أيضا. وهي العزيز وهو المسكين الذليل. ولا معنى لوصف وطء الناقة هذه الصفة إن لم يرم الشاعر إلى الرمز والإيحاء وأن يضمن هذه الصفة معنى هذا الهجر الطويل والصفاح والقيل.
ثم استمر يصف سير الناقة بعد أن فصل ما فصله في صفة أعضاء منها:
إذا أقبلت قلت مذعورة ... من الرمد تلحق هيقا ذمولا
من الرمد أي من النعام- وهذا مع أنه من صفة إقبال سير الناقة مردود من جهة تجاوب أصداء المعاني على قوله آنفا:
أتتنا تسائل ما بثنا ... فقلنا لها قد عزمنا الرحيلا
وقلت لها كنت قد تعلميـ ... ـن منذ ثوى الركب عنا غفولا
فهذا فيه معنى المذعورة الجفول
وإن أدبرت قلت مشحونة ... أطاع لها الريح قلعا جفولا
فقد جاء بالجفول من صفة النعامة وهو هنا يشبه الناقة بالسفينة- وهكذا كان إدبار أمامة إذ أدبرت عنه وإذ أعرضت إعراضا.
وإن أعرضت راء فيها البصير مالا يكلفه أن يفيلا
أي مالا يخطئ معه أنه إعراض.
وإعراض الناقة هنا أن تريك جانبها. والبصير إذا أرته جانيها فنظر علم نجابتها،