هنا وصف جيد بارع من حيث حاق تصوير الحركة، إذ الشاعر إنما التقط حركة اليدين والرجلين وفيهما عند إسراع الناقة اضطراب، فتشبيه ذلك بحركة العائم المجد وقد كاد يغلبه موج أو تيار فبدا من ضرب يديه ورجليه إلحاح منازعة ذات إسراع مفرط مذعور، تشبيه دقيق. على أن حال الناقة حين تجد وتندفع أبعد شيء عن حال الغريق. وما خلا الشاعر من تضمين وصفه إيحاء بما كان قاله من قبل من معنى الفراق على كراهة ذلك وعلى يأس من صلاح الحال، ومن معنى سيقوله من بعد قومه والذين كانوا لهم جيران وحلفاء من قبل والمشعر بالإيحاء قوله:
قد أدركه الموت إلا قليلا
إذ قوله «يدا عائم خر في غمرة» واف بالصفة المرادة، ولكن هذه الزيادة مع توكيدها وتقويتها لمراده من التشبيه أدل على مكنون من الإيحاء.
ثم في الغمرة شبه من معنى العبرة، وذلك حيث قال:
فبادرتاها بمستعجل ... من الدمع ينضح خدا أسيلا
ثم من هذه الغمرة تجئ وثبة الشاعر إلى معاني الحكمة التي ختم بها قصيدته والتي هي أربه وضالته التي ينشد.
ومع الوثبة شيء من تداعي المعاني وقوة دلالة الرمز.
وقد يذكر القارئ الحكيم أن الشاعر إنما رأى في أول القصيدة من أمامة بعد هجره إياها الطويل خيالا.
وحملت منها على نأيها ... خيالا يوافي ونيلا قليلا
حتى هذا الخيال لا يزوده ما يزعم الشعراء أنهم يتزودونه. قال عمرو بن قميئة
نأتك أمامة إلا سؤالا ... وإلا خيالا يوافي خيالا
خيال يخيل لي نيلها ... ولو قدرت لم تخيل خيالا
ولكأن بشامة تعمد إلى أن يشير إلى مقال ابن قميئة هذا حيث قال: