وحشوا الحروب إذا أوقدت ... رماحا طوالا وخيلا فحولا
ومن نسج داود موضونة ... ترى للقواضب فيها صليلا
فإنكم وعطاء الرهان ... إذا جرت الحرب جلا جليلا
كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسد على السالكين السبيلا
وهو الجزء الختامي وذروة مقاصد الشاعر.
قوله ولم ألقهم ولم آتهم يقوى مزعمنا أن هاهنا رجعة إلى الطيف، لأن القصة التي قصها من قبل يقول فيها «أتتنا تسائل ما بثنا» فهذا إن يكن طيفا، وهو كذلك، فإنه لا إتيان ولا لقاء، ولكن حلم، وقوله: «أجدوا على ذي شويس حلولا» فيه أنفاس من قوله:
فقلت لها كنت قد تعلمين منذ ثوى الركب عنا غفولا
فلم يكن لها اعتذار إلا الدموع، وقوله: «أتتنا تسائل ما بثنا» يشبه «وخبرت قومي ولم آتهم البيت» لأنه في هذا الذي جعله خيالا قال: «قد عزمنا الرحيلا» فهؤلاء الذين قال بلسانهم «قد عزمنا» هم قومه. وذو شويس موضع بعينه، جبل في ديار بني مرة، قال ذلك البكري في معجم ما استعجم وضبطه بشين معجمة بعدها واو مفتوحه، فياء ساكنة فسين مهملة على صيغة التصغير كأنه تصغير شأس خففت همزته والشاس الخشن، وضبطه ياقوت بفتح فكسر بوزن كريم وظريف، ويجوز أن بعضهم كان ينطقه هكذا، أو أن ذلك كان النطق على زمانه. وفي ذكر شويس كناية عن الصلابة والخشونة وعن الاعتصام والمأوى معا إذ هو جبل، ويجوز أن يكون في ذلك شيء من الإيهاء إلى الحصين بن الحمام من سادات بني مرة، لما استوثق بينه وبين قوم بشامة من حلف. وقوله «فأبلغ أماثل سهم رسولا» كقوله «أتتنا تسائل ما بثنا» - الشبه في إرسال الرسول فإنه في معنى إتيانها تسائل كما أ، من معنى ما بثنا أي شيء بثثناه إن شئت، وأي شيء حالنا. وقوله: «قد عزمنا الرحيلا» فقد أرسل إلى قومه وعزم أن يلحق بهم وذلك قوله: «فإما هلكت ولم آتهم» فما يمنعه من الإتيان إلا أن يهلك.
وقوله: «خزي الحياة وحرب الصديق» في معنى ما بث أمامة وبثته إذ قال لها كنت «عنا غفولا» فبكت ولم تصنع إليه كبير شيء فلم يجد بدا من الهجر.
وقوله: «فسيروا إلى الموت سيرا جميلا»
تأويل ما تقدم من قوله: «هجرت أمامة هجرا طويلا»
وقوله: «وكل أراه طعاما وبيلا» وإن شئت وكلا بالنصب تأويل ما تقدم من قوله:
وحملت منها على نأيها ... خيالا يوافي وعبئا ثقيلا
ونظرة ذي شجن وامق ... إذا ما الركائب جاوزن ميلا