هل بالديار أن تجيب صمم ... لو كان رسم ناطقا كلم
الدار قفر والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم
ديار أسماء التي تبلت ... قلمي فعيني ماؤها يسجم
أضحت خلاء نبتها ثئد ... نور فيها زهوه واعتم
ثئد أى ند وهذا أدل على خلائه إذ لو كان به أهل ونعم وشاء لكان قد بدا ذلك فيه.
صورة النبات والزهر هنا خبر عن أمر واقع، لا وقفة مع سحر الطبيعة. إلا أن الطبيعة أبت إلا أن تفرض على الشاعر الإحساس بجمالها
نور فيها زهوه واعتم
وفطن أبو تمام، وكان على الشعر مطلعا وبه خبيرا، أن هاهنا تأملة للجمال فقال بيته الجيد:
حتى تعمم صلع هامات الربا ... من نوره وتأزر الأهضام
ثم انتقل المرقش إلى التذكر، فتذكر الحبيبة والظعائن اللاتي كن معها وحزن لذلك:
بل هل شجتك الظعن باكرة ... كأنهن النخل من ملهم
النشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكف عنم
وصدق ابن المعتز أن البديع لم يبدأ ببشار ومسلم. ولو أصاب صاحب المقامات هذا البيت لعدمه مغنما.
قوله هل شجتك، هو المشعر بالحزن
قد كرره في قوله:
لم يشج قلبي ملحوادث إلا صاحبي المتروك في تغلم
أي كأن قال شجتني الحبيبة والظعائن عند هذا المكان المعتم بالنوار المقفر من الأحباب.
لا بل شجتني ذكرى أمض وأوجع- صاحبي المتروك في تغلم قتيلا، ولعله إنما وقف بتغلم.
وأتبع ذكر ثعلب بيتا واحدا ينعته به كما من قبل أتبع ذكر الظعائن بيتا واحدا ينعتها به:
ثعلب ضراب القوانس بالسيف وهادى القوم إذ أظلم
فمكان النشر، لأن الغانيات إنما هن تراء وعبير، اسم ثعلب علم واضح يدل على شخص رجل شهم واضح. ومكان «أطراف الأكف عنم» قوله: «ضراب القوانس بالسيف.» وجعل مكان «الوجه دنانير» باشراقها وحسنها: «هادى القوم إذ أظلم»