ونقيضتها المهلهلية، وليس فيهما ما يمكن أن ينسج على منواله من وصف الهبوب والصحاري، والآتن والإبل، والنعوت التي تقع في المدح وما بمجرى ذلك من لوازم القصيدة الجاهلية. ولتتذكر مع هذا أن الأعشى كان كثير الأخذ، قليل الابتكار، يعتمد على جودة الديباجة، وجرس النغم, والتأثير المغناطيسي في السامع كل الاعتماد وأذكر للقاريء هنا طرفًا من لاميته هذه، فإنها غاية في الجودة, قال يمدح:
عنده الحزم والتقى وأسا الصر ... ع وحمل لمضلع الأثقال
وصلات الأرحام قد علم النا ... س وفك الأسرى من الأغلال
وهوان النفس العزيزة للذكـ ... ـر إذا ما التقت صدور العوالي
وعطاء إذا سألت إذا العذ ... رة كانت عطية البخال
ووفاء إذا أجرت فما غر ... رت حبال وصلتها بحبال
أريحي صلت يظل له القو ... م ركودًا قيامهم للهلال
إن يعاقب يكن غرامًا وإن يعـ ... ـط جزيلا فإنه لا يبالي
يهب الجلة الجراجر كالبسـ ... ـتان تحنو لدردق أطفال (١)
والبغايا يركضن أكسية الإضريح ... والشرعبي ذا الأذيال
وجيادا كأنها قضب الشو ... حط يحملن شكة الأبطال
والمكاكيك والصحاف من الفضـ ... ـة والضامزات تحت الرحال
وكأن معلقة الأعشى هذه كانت خاتمة لقصيدات اللام الخفيفيات في العهد الجاهلي وصدر الإسلام، إذ لم يجيء بعدها من قريها اللهم إلا لامية جيدة لأبي زبيد في
(١) الجلة: الإبل العظام. الدردق: الصغار. البغايا: أراد الحسان من الجواري لأنهن مطلوبات. والمكاكيك: جمع مكوك، وهو ضرب من الآنية يستعمل في شرب الخمر. والضامزات تحت الرحال: الإبل لأنها تضمز وتستكين في السفر.