خرجنا من الوادي الذي بين مشعل ... وبين الجبا هيهات أنشأت سربتي
أمشي على أين الغزاة وبعدها ... يقربني منها رواحي وغدوتي
أمشي على الأرض التي لن تضرني ... لأنكي قومًا أو أصادف حمتي
كل هذا شتان ما بينه وبين الريحان وأرج الحبيبة الذي حجر به البيت.
هذا الانتقال المفاجئ شبيه بما سماه أرسطو طاليس في حديثه عن المأساة في شعر اليونان بالتحول Peri Peteia. ولا ريب أن الشنفري تحول وحولنا معه من حال نعمة ولذة إلى حال شدة شرسة. وقد صنع هذا لا متشتت الفكر، منساقًا مع نظم الأبيات المفردة كما يظن من لا يتعمق فهم الشعر العربي ولا يتذوقه، ولكن متعمدًا إلحاق أمر بأمر، وربط لاحق بسابق، وإحداث عنصر من الموازنة والمقابلة بين متباينين جمعتهما تجربته وبيانه وكوصفه للفتاة ذات الخفر وتبلت إن تكلمك وصف أم العيال، وهي صاحبة تأبط شرًا، فخلع عليه من صفات الفتوة، ما جعله بإزاء ما ذكره وفصله من صفات الفتاة وفضائل أنثاها.
أم العيال: إذا أطعمتهم أوتحت وأقلت
وأميمة: [وازن بين أم العيال مكبرًا وأميمة مصغرًا]
تبيت بعيد النوم تهدى غبوقها ... لجارته إذا الهدية قلت
قال «قلت» عن أمية «وأقلت» عن أم العيال- في «أقلت» هذه الثانية صدى ومجاوبة لقلت تلك الأولى المنبئة عن الجود حتى عندما تقل الهدية.
أم العيال: مصعلكة لا يقصر الستر دونها
وأميمة: لا سقوطا قناعها
أم العيال: تجول كعير العانة المتلفت
أميمة: ولا بذات تلفت
أم العيال: ولا ترتجي للبيت إن لم تبيت
أي من البيات وهو الغزو ليلًا
أميمة: تبيت بعيد النوم ....
تحل بمنجاة من اللوم بيتها ... )
إذا هو أمسى (أي بعلها) آب قرة عينه