ثم انصرف إلى حمولة أهلها بعين عبد يحسن الحلاب والصر. وإن شئت جعلت هذا من عقدته بخزي لونه وهو قول يقول به بعض أهل العصر يريدون أن يضاهئوا به الفرنجة الأمريكيين وغيرهم أنه للعرب زنوج كما للفرنجة زنوج استعبدوهم. وفي بعض المعاجم في تعريف السودان أنهم عبيد العرب. وكان الجاحظ رحمه الله سليل عبد أسود كان جمالًا لعمرو بن قلع الناسئ- أي من القوم الذين قال قائلهم:
ونحن الناسئون على معد ... شهور الحل نجعلها حرامًا
ولعله كان من البجاة أو ممن اختطفه البجاة من بلاد السودان أو الحبشة فبيع بتهامة.
وكان الجاحظ مما يأنس بالزنج وأخبارهم كحديثه عن الفاشكار الذي لم يكن يحسن الفشكرة أحد مثله، أحسبها تصفيف أعواد القمح بعد حصاده ورسالته عن السودان وفضلهم، وحكايته عن شيخ عظيم جهير الصوت يستقصي الإعراب وقد ولده رجل من أهل الشورى وكان- كما قال أبو عثمان- بقرب عبد أسود دقيق العظم دميم الوجه ورآني أكبره فقال حين نهض ورأى عظمًا: يا أبا عثمان لا والله لا يساوي ذلك العظم البالين بصرت عيني به في الحمام وتناول قطعة من فخار فأعطاها رجلًا وقال له حك ظهري، أفتظن هذا يا أبا عثمان يفلح أبدًا.
وأغلب الظن أن أبا عثمان قد ظن أنه لا يفلح ولولا ذلك ما ساق الخبر. وليحذر من يخوض في أمر عنترة. وقد جاء الأثر بإكبار النبي صلى الله عليه وسلم أمره واستحسانه شعره إن صحت روايته، أن يكون ممن عسى ألا يفلح أبدًا أو لا يساوي ذلك العظم.
وقد كانت في عنترة سماحة خلق وكرم نفس وكبرياء ثقة بما عنده من بلاء لا كبرياء أست في الماء وأنف في السماء.
وكان عنده التعريض والتهكم بما كان يطعن به فيه من دونه، فإن يك هذا عقدة نقصه فذاك- مثل قوله:
كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
ومثل قوله: سودًا كخافية الغراب الأسحم.
ومثل قوله: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
ولو كان بنفسه سقم نقص ما قال هذا، وقد يسخر كما ترى بهؤلاء القائلين ويك عنتر أقدم. وزعم بعضهم وأظنه صاحب الموشح أن عنترة كان ممن خام ثم أقدم لقوله:
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
وكان الرجل ذا علم بالحرب وخبر أنه كان يضرب الجبان لينخلع قلب الشجاع يشهد