بركت على جنب الرداع كأنما ... بركت على قصب أجش مهضم
إنما عنى صوت هزيم صدرها
بعد هذا عاد إلى المحبوبة فخاطبها،
أثنى علي بما علمت فإنني ... سمح مخالطتي إذا لم أظلم
وجعل ذلك ذريعة لمزيد من الدفاع والحديث عن نفسه والفخر الكريم النبيل مع اعتدال وأناة وتدبر كتدبره إذ قال:
لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
قال:
ولقد شربت من المدامة بعدما ... ركد الهواجر بالمشوف المعلم
بزجاجة صفراء ذات أسرة ... قرنت بأزهر في الشمال مفدم
فإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
ومن ها هنا أخذ يتقرب إلى عبلة. وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب أن شكسبير قد تأثر بسيرة عنترة ومقاله في قصيدته هذه حيث صاغ ما صاغه على لسان القائد الذي سماه أوتيلو (وترجمها بعضهم عطيل وقد تكون من عطاء الله وقد تكون محرفة من اسم عنترة) إذ زعم في دفاعه عن نفسه أنه إنما سحر الفتاة بحديثه عن شجاعة نفسه وعن مغامراته. ولا تستبعد أن يكون شكسبير سمع في المجالس ممن كان له علم بالعربية وآدابها. وقد ذكرنا أن بيدويل وهو على زمان شكسبير كان بالعربية عالمًا ولا ريب أنه كان من علماء الملك جيمس الأول الذين صدر عنهم نص الكتاب المقدس الموثق عندهم. ومن قبل كما ألمعنا كان لشوسير بالعربية صلة وثيقة إذ قد سفر إلى إسبانيا وكانت الأندلس لم تزل لها بقية صالحة على زمانه، وقد ذكرنا أيضًا كتابته رسالة عن الإسطرلاب ما كان ليقدم مثله على مثلها من غير علم بالعربية، وقد تقدمه بزمان غير طويل من بني وطنه أحد أكابر علماء القسيسين بالعربية وهو روجر بيكون في القرن الثالث عشر الميلادي، ومن قبله في القرن الثاني عشر الميلادي «أد يلارد الباثي» الإنجليزي Adelard of Bath وهو معاصر لأبيلار الذي عشق ايليويز وهذا فرنسي.
وإنما نكرر هذا القول الذي ذكرناه من قبل لأن في زماننا هذا لن ننفك نحتاج إلى تأكيد الحجة حتى يعيها الغافل والمتغافل وبالله التوفيق.
ثم أنظر إليه كيف بعد قوله «وإذا صحوت» وما زال في معراض الفخر ببلائه في الحرب