المراد به التقرب إليها، جعل لها مكانًا بمخاطبتها خطابًا خفيًا حيث قال:
وحليل غانية تركت مجدلًا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم
أي رب حليل غانية مثلها- بل هي عنده أجمل الغواني وأحبه. ولذلك فهو حقيق ألا يخيم عن حمايتها بما وهبه الله من شجاعة وغيرة وصبر ونصر.
قوله «كشدق الأعلم» من قبيل قوله «كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم» قالوا كان يقال له عنترة الفلحاء وما أرى ذلك قيل إلا لأن شفته قد كانت غليظة. قال أبو الطيب يذكر كافورًا:
وأسود مشفرة نصفه ... يقال له أنت بدر الدجى
وأوصاف السودان- في ألف ليلة- قريبة من هذا، حتى إن بعضهم يوشك أن يكون مفترشًا بعض شفته.
سبقت يداي له بعاجل طعنة ... ورشاش نافذة كلون العندم
هذه هي الصورة الأولى- ثم قوله تمكو فريصته الصورة الثانية وفيها أنفاس أسف. كان حليل غانية محبوبة، والآن مجدل لجراحاته بالدم وذماء الموت صفير. قوله بعاجل طعنة ورشاش نافذة جعلهما معًا أمرًا واحدًا. وهذا أجود من قول قيس بن الخطيم:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها
وإنما قصد إلى تصوير الغيظ وحقد طلب الثائر. أما عنترة فصور محض لقاء فارس وفارس
متحاميين المجد كل واثق ... ببلائه واليوم يوم أشنع
إلا أن أحدهما يقال له الفلحاء ويقال له الأعلم، فلتعلمن أينا الفلحاء وأينا الأعلم.
ظاهر هذا الحقد ولكن باطنه لمتأمل الصورة أسف وحزن وتفكر في مصائر الأيام. لعله هو أن يكون، لو لم تعجل يده بسابق الخبرة المقتول، وإذ كانت فريصته هي التي تمكو- وليصرف الحلوة التي خاطبها أتبع ذلك قوله يخاطبها:
هلا سألت الخيل يا بنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أنا أيضًا لقيت بلاء الحرب وأوجاعها فليس دهري القساوة وإنما هو الحفاظ وصدق القتال وليس ينجي من الغمرات شيء غيره.