إذ لا أزال على رحالة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلم
لاحظ الربط بين خطابها مع الإعجاب بهذا المهر- سابح نهد- ثم هذا العطف عليه والكناية به عن نفسه: «تعاوره الكماة مكلم» ثم بين سبب هذا التكليم، أنه يعرض نفسه للطعان وللسهام وهي منايا تخطئ وتصيب ومن تعرض لها فقد أهدف
طورًا يجرد للطعان وتارة ... يأوي إلى حصد القسي عرموم
يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغي وأعف عند المغنم
أي في أيضًا مع كمال الفروسية ضربًا وطعنًا كمال آدابها، وفي ذكر العفاف تزكية لنفسه عندها، أنه حين ترك حليل الغانية مجدلًا عف فلم يروعها، إذ كان إنما يدافع عن حوزته وعن حريمه أيضًا وهو القائل:
أنا الهجين عنترة
كل امرئ يحمي حره
أي فرجه وعنى بذلك امرأته ونساءه:
أسوده وأحمره
والشعرات الواردات مشفره
وهذه لغة مكشوفة خشنة تناسب دفعه الظلم عن نفسه لما أراده أبوه أن يكر ولم يعده أن يحرره، ولكل مقام مقال. ثم جاء بعد صورة حليل الغانية بصورتين تدرج فيهما من هذه الصورة الأولى من بئيس إلى أباس منه إلى أشد من ذلك- فالثانية قوله:
ومدجج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربًا ولا مستسلم
بل هو متحد قتول، فلهذا كره الكماة جانبه، والكماة جمع كمي وهو الشجاع المقاتل الذي قد كمي كل ضعف فلا يدري قرنه أين يصيبه. كمي يكمي (باب ضرب) أي ستر ومنه قولهم كمي شهادته أي سترها، وفي دارجة أهل المغرب يكمي أي يدخن التبغ لإدخاله دخانه في صدره كالشيء المكتوم (١)
جادت له كفي بعاجل طعنة ... بمثقف صدق الكعوب مقوم
فهذه الطعنة عاجلة نافذة إلا أنها دون مفاجأة الأولى التي كان نفاذها وانفجار الدم منها كأنهما شيء واحد حدث كله في وقت واحد، وقد بين عنترة ما صحب هذه الطعنة على عجلتها ونفاذها من جهد خبير بالقتال متمرس به:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمرحم
(١) أو لأن أوائل المدخنين كانوا لا يجاهرون بذلك ويخفونه عمن يحترمونه أو يتهيبونه.