وفي قوله «ليس الكريم على القنا بمحرم» من نفس الأسف والتفكر في مصائر الحياة قريب مما في قوله:
تمكو فريصته كشدق الأعلم
وقد فصل صورة هذا الأسف وروح المأساة في قوله من بعد:
فتركته جزر السباع ينشنه ... يقضمن حسن بنانه والمعصم
وذلك أنه كان مدججًا فما بدا له منه إلا هذا البنان والمعصم بحسنهما، وما كان لذلك من غناء له إذ عاجله هو بطعنة من مثقفه ذي الكعوب المقوم.
والصورة الثالثة لمقاتل متمرس شرس جريء بصير بالحرب واثق بنفسه عظيم الخنزوانة، وقد احتاج عنترة إلى رمحه وسيفه معًا ليقهره:
أول شيء كأن لم ير منه إلا هذه الدرع السابغة والهيئة المهولة الشخص، وكأنه شجرة من شجر المسرح.
والمبارزة التي يصفها عنترة كأنها مبارزة راجلين لا فارسين على جواديهما وكان هذا المبارز معلمًا وكنى عن جودة تصريفه القناة والسيف بقوله:
ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتاك غايات التجار ملوم
أشرب صفته إذ يلعب الميسر وإذ يسبأ الخمر لونًا من حركة أداة الحرب ومن الطعن ومشك السابغة التي هتك فروجها حتى أصاب مقتله
لما رآني قد نزلت أريده ... أبدى نواجذه لغير تبسم
عهدي به مد النهار كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم
فالبنان الذي كان يصرف به السلاح والقداح والرأس الذي عليه الخوذة تبرق وقد كشر هو عن أنياب قد سال الدم عليهما وجمد وهو جسد ميت الآن. طعنه أولًا فهذا هتك فروج الدرع ولما أحدث به ذلك اضطرابًا علاه بالسيف القاطع فشق هامته أو كما قال: -
فطعنته بالرمح ثم علوته ... بمهند صافي الحديدة مخذم
ثم ها هو ذا قتيلًا
بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم
قوله يحذى نعال السبت يفيد به إكفاءه عن سرجه حتى كأن قد ارتفعت قدماه وتدلى سائر جسده، كان كسرحة قائمة وهو الآن كأعجاز نخل منقعر