عمرو إما شخصًا بعينه وإما كناية تعم ثم قوله ولقد حفظت وصاة عمي مردود على خطابه المحبوبة وهي إما ابنة عمه كما يزعم أصحاب السير والأخبار والأساطير وإما جعلها ابنة عمه على عرف العرب إذا الحسناء التي تراد لتكون زوجة- سواء أكان ذلك مرادًا بالقوة أم بالفعل- يقال لها «ابنة عمي»، ثم مضى عنترة إذ عاد إلى خطابها يقص قصة شجاعته وإقدامه. وقد رأينا درجاته الثلاث مع الأقران الثلاثة. ثم الآن قد حمى الوطيس وجاءت ساعة الصبر وثبات الأقدام والمعرفة بالحرب متى يكون الإقدام ومتى يكون التوقف والتربص وانتظار فرص الهجوم.
علقمة صور لنا المعركة في عين أباغ- تلك التي قتل فيها ملك الحيرة وأسر أخوه شاس في جماعة بني تميم- بتصوير رسام كأنما يضع مشاهد هيجاء المعركة وأهوالها كلها على لوحة بخياله المهيمن وبقوله الناصع المبين.
أما عنترة قد نقلنا معه إلى وسط المعمعة لنشاركه في إحساسه وانفعالات نفسه وليعلمنا مما علمه واختبره بعض علم القتال- ثم لنتذكر أن هذا الخطاب موجه إلى ابنة هذا العم الذي قد حفظ وصاته ليكسب عطفها ومحبتها:
في حومة الحرب التي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
يتقون به الأسنة لأنه قائدهم المتقدم أمامهم.
ثم هو الآن سيدهم. ومن شأن السيد أن يحمي عبده لأن العبد مال. العبد لا يحسن الكر ولكن يحسب الحلاب والصر.
ثم زعم بعضهم أن عنترة أقر ببعض الإحجام والجبن إذ قال «لم أخم عنها ولكني تضايق مقدمي» وأولى أن يقال إن هذا يقص علينا به خبر قول أبيه له «كر». وكأنه عندما يتقدم حين يحمي الوطيس يسمع هذا الصوت:«كر وأنت حر». ولكنه ليس بأهوج يكر ليكون درقة غيره من الأسنة، ولكن ليكون رأس سنانهم الطاعن في نحور العدو.
لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم
تضايق مقدمي. أي تضايقت فرصات الإقدام. ثم ها هم هؤلاء مقدمون يحرض بعضهم بعضًا. ورأت عينة اللاقطة مكامن ضعفهم.
لأمر ما كانت العرب في مقامات حروبها أيام الفتوح الأولى مما تقص قصص عنترة وتتناشد شعره.