يدعون هنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
هؤلاء هم قومه كما سيقص علينا خبرهم من بعد. وذلك أن منهم من كان يتعجل في نفسه إلى القتال. وكان دأب العرب المراماة قبل الاشتباك. فكان لذع السهام والرماح مما يهيج إلى اندفاعات الإقدام. وكان عنترة بثباته وخبرته وصبره لا يقدم متهورًا. فكان ريثه ربما قلق له من يستعجلون الهجوم فيصيحون به يحضونه:«ويك عنتر أقدم» وكأنما ضمن هذا منهم مقالة «أي شيء تنتظر أيها العبد؟ »
وعلى العبد اعتمادهم، وفي قلوبهم حب له وإكبار.
قالوا كان عمار بن ياسر رضي الله عنه في صفين يطعن بزج القناة في ظهر هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يقول له: تقدم يا أعور؟ وكان هاشم من أهل الحروب ذا علم بهن وكان عمار رضي الله عنه لا يجهل ذلك من أمره بل قد كان منه على ثقة. فكان هاشم لا يتحرك لتحضيض عمار وطعنه بالزج في ظهره ولكن يتريث ليجد فرصة الإقدام حتى إذا وجدها اندفع بالراية يرقل- ومن أجل ذلك سموه المرقال- وهو يرتجز.
أعور يبغي أهله محلًا
قد عالج الحياة حتى ملا
يتلهم بذي الكعوب تلا
لا بد أن يفل أو يفلا
ومن صبر عنترة أنه كان لا يندفع والقوم يحضونه والرماح مشرعة والسهام تخطيء وتصيب حتى إذا كان وقت الإقدام وحانت فرصته كر وهو على بصيرة من أمره وعلى ثقة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلم
وبعد هذه لمناجاة والرحمة لمهره رجع بنا إلى قوله من قبل:«يدعون عنتر والرماح كأنها البيت» وذلك قوله:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قبل الفوارس ويك عنتر أقدم
فويك عنتر تفسير ورجعة إلى «يدعون عنتر» وقد يظن بعض أهل العصر أن قوله «ولقد