والأعمى يحس الغبار حيث يثور بخيشومه ثم بسائر ما عنده من حاسة اللمس وعندنا أن أبا تمام قد أخذ قوله «فيطير في خيشومه رهج الخميس» أخذًا حفيًا من بشار، فهذا مزعمنا أنه إنما فسره بهذا الأخذ ووضح بعض كنائن معناه.
وكثير ممن يتعاطون النقد وعلوم البلاغة ربما استشهدوا ببيت بشار على إحسانه الذي ضاهى به البصيرين. وبيان البيت بيان ضرير لمن تأمله للذي قدمنا من قوله بادئًا «كأن مثار النقع» ولأنه أيضًا لا يقصد إلى الجانب الأبصاري في قوله:
ليل تهاوى كواكبه
كما يقصد إلى الجانب الأسطوري. أي كأن أراد أن يقول: كأن مثار النقع يعيد على الناس يوم حليمة الذي هو ليس بسر- قالوا ثار النقع حتى بدت الكواكب. وكان بشار مما يذكر الناس بأنه من أولى الضرر، وألا ينتظروا منه أن يقول كما يقول ذو بصر، مثلًا قوله.
يا عين أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانًا
وقوله: وإنا لا نراك فألمسينا
وقوله في إحدى الرائيتين: ألصق بي لحية له خشنت ... ذات نصال كأنها الأبر
وفيها: قولي لها بقة لها ظفر ... إن كان في البق ماله ظفر
فهذا كله من حاسة اللمس لا البصر
وفي الرائية الأخرى:
أمتى بدد هذا لعبي ... ووشاحي حله حتى انتثر
فهذا من قرى إشارته إلى يوم حليمة، إذ يشير هنا إلى قول امرئ القيس:
وهي إذ ذاك عليها مئزر ... ولها بيت جوار من لعب
فجعل مكان المئزر وشاحًا وإنما كنت الجارية به كما لا يخفى.
ونرجع بعد إلى وصف عنترة البصير بعينه وقلبه معًا:
والخيل تقتحم الخبار عوابسًا ... ما بين شيظمة وأجرد شيظم
ذلل ركابي حيث كنت مشايعي ... قلبي وأحفزه بأمر مبرم
وهذا كأنه خاتمة- غير أنه ما زالت في نفسه بقية وهذه البقية قوية المناسبة لقوله «ذلل ركابي» وذلك قوله: