ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم اشتمهما ... والناذرين إذا لم القهما دمى
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم
قد رووا قبل هذا ثلاثة أبيات: فيهن تصريح برجعة إلى خطاب المحبوبة. على أن قوله «ولقد خشيت» منبئ عن أنه يخاطبها، وليس بحديث منه إلى نفسه فقوله «مشايعي قلبي» يمنع ذلك، لأن حديث النفس في هذا الموضع مشعر بضعف ليس في عنترة ولا في قصيدته هذه وكأن الذين رووا الأبيات الثلاثة بعد بيت «بأمر مبرم» وهي:
إني عداني أن أزورك فأعلمي ... ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي
حالت رماح ابني بغيض دونكم ... وزت جواني الحرب من لم يجرم
ولقد كررت المهر يدمي نحره ... حتى اتقتني الخيل بابني حذيم
ولقد خشيت .....
(والذي علمته غيرة أهلها والذي لم تعلمه أمر القتال)
كأن الذين رووا هذه الأبيات الثلاثة تأولوا ولقد خشيت على خطاب النفس فعمدوا إلى رواية هذه الأبيات ليكون كل ذلك خطابًا. ومن تأمل وجد قوله: ما قد علمت إلخ كأنه تكرار لقوله: «هلا سألت الخيل يا بنة مالك» قوله: «وزوت جواني الحرب» كأنه من قول زهير:
تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ... ينجمها من ليس فيها بمجرم
ولقد كررت المهر، تكرارًا لما وصف به مهره، وفي الصياغة تكرار لقوله: ولقد حفظت ولقد خشيت.
هذا ومن المخاطبة مذهب الحارث في همزيته المعلقة. وفيه مشابه من مذهب عمرو بن كلثوم في النونية. غير أنه لم يتدرج من مخاطبة الظعينة إلى مخاطبة الخصوم، بل خلص إلى ذلك بعد النسيب خلوصًا مباشرًا:
أيها الناطق المرقش عنا ... عند عمرو هل لذاك بقاء
وقد كرره من بعد فقال:
أيها الناطق المبلغ عنا ... عند عمرو وهل لذاك انتهاء