وعينية الحادرة نسيج وحدها في اعتمادها على شيء من ظاهر احتيال المخاطبة وباطن من استمرار صورة الثغر الحلو المبتسم الذي هو مخاطبه مع ما يلابس ذلك من معاني الشوق والحب، وقد سبق منا التنبيه إلى بعض ذلك في الجزء الثالث في باب الإيحاء بالتجارب الذاتية. أما احتيال المخاطبة فتكراره اسم المحبوبة عندما صار من النسيب إلى الفخر- قال في البيت التاسع:
أسمى ويحك هل سمعت بغدرة البيت
وقال في السادس عشر:
فسمى ما يدريك أن رب فتية البيت
ورب بتخفيف الباء وتشديدها يخل بالوزن والتخفيف والتشديد كلاهما قرأوا به في قوله تعالى:{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} التخفيف قراءة عاصم ونافع وأبي جعفر وسائر القراء على التثقيل.
وقريب من احتيال الحادرة هذا صنيع ثعلبة بن صعير في قصيدته،
هل عند عمرة من بتات مسافر ... ذي حاجة متروح أو باكر
وهي الرابعة والعشرون في المفضليات. البتات المتاع والزاد وما أشبه وهذا البيت مضمن خطاب عمرة إذ لم يجد لديها شيئًا فانصرف عاتبًا.
سئم الإقامة بعد طول ثوائه ... وقضى لبانته فليس بناظر
أي ليس بمنتظر
لعدات ذي أرب ولا لمواعد ... خلف ولو حلفت بأسحم مائر
وعدتك ثمت أخلفت موعودها ... ولعل ما منعتك ليس بضائر
مسكين! !
وأرى الغواني لا يدوم وصالها ... أبدا الذي عسر ولا مياسر
كأنه ينقض قول علقمة كله هنا وإنما دعاه إلى نقضه بهذا التعميم ما مني به الآن من مزاج سوداوي
وإذا خليلك لم يدم لك وصله ... فأقطع لبانته بحرف ضامر