وهذا يشبه كلام لبيد، فإن كان سابقًا له فقد أخذ لبيد منه وإن كانا متعاصرين فالله أعلم أيهما أخذ من صاحبه، ولكن قول لبيد:
حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها
أحسبه أخذه من بيان القرآن إذ سورة صاد مكية وفيها قوله تعالى: {فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب} وكان لبيد يفد إلى مكة في أيام ما قبل الهجرة. وموضع الأخذ هنا الإضمار البحت اعتمادًا على علم السامع بمرجع الضمير. ويبقى لفظ «كافر» متنازعًا بين لبيد وثعلبة أيهما سبق إليه وهو عند ثعلية:
فتذكرا ثقلًا رثيدًا بعدما ... ألقت ذكاء يميتها في كافر
وغير ثعلبة اسم عمرته فصيرها سمية عند قوله:
أسمى ما يدريك أن رب فتية ... بيض الوجوه ذوي ندى ومآثر
حسنى الفكاهة ما تذم لحامهم ... سبطي الأكف وفي الحروب مساعر
باكرتهم بسباء جون ذراع ... قبل الصباح وقبل لغو الطائر
وهذا أدنى إلى وقت الشروق من قول لبيد «بادرت حاجتها الدجاج البيت» وجعل ثعلبة هذا مدخلًا إلى الفخر. ورب كما ترى عنده مخففة الباء.
وقد ضمن فخره قوله:
ولرب واضحة الجبين غريرة ... مثل المهاة تروق عين الناظر
قد بت ألعبها وأقصرهما ... حتى بدا وضح الصباح الجاشر
أي ذو الإشراق والسطوع قال الشارح الجشر تباشير الصباح- الجشر بفتح فسكون مصدر جشر. فالواضحة الجبين هي عمرة نفسها أو أخرى يغايظها بها على نحو قريب من نمط امرئ القيس إذ قال «فمثلك حبلى» في مغايظته لعنيزة صاحبة الغبيك.
وقول ثعلبة في آخر القصيدة
ولرب خصم جاهدين ذوي شذى
ليس (مع ما فيه من فخر) ببعيد المناسبة لما كان فيه من مخاصمة عمرة.
ومذهب لبيد في المعلقة في خطابه نوار قريب من طريقة ثعلبة والحادرة في مذهب هذا