بل ما تذكر من نوار وقد نأت ... وتقطعت أسبابها ورمامها
ثم قال بعد أن وصف ناقته بما وصفها:
أو لم تكن تدري نوار بأنني ... وصال عقد حبائل جذامها
ثم قال:
بل أنت لا تدرين كم من ليلة ... طلق لذيذ لهوها وندامها
ثم مضى في فخره- فقوله:«وغداة ريح» وقوله: «ولقد حميت» وقوله: «وجزور أيسار» كل ذلك وما هو بمجراه داخل في مخاطبته لنوار حيث قال «بل أنت لا تدرين» ومردود عليه. هذا. وأما المعاني والصور الباطنة الرابطة بين أول كلام الحادرة وآخره فهي جمال سمية وحديث الشاعر إلى شخصها الجميل وهذا الجيد الواضح وهذه المقلة الحوراء المغرورقة حينًا بعد حين- حقًا أو توهم الشاعر ذلك- بدمعات الوداع، وهذا الثغر المبتسم الحلو، الذي كأنما ابتسامته من حلاوتها قبلة
وتزودت عيني غداة لقيتها ... بلوى البنينة نظرة لم تقلع
وإنما نظر إلى هذا التصدف الذي يجلو عليه المحاسن وذلك قوله من بعد:
وتصدفت حتى استبتك بواضح ... صلت كمنتصب الغزال الأتلع
وإذا تنازعك الحديث رأيتها ... حسنًا تبسمها لذيذ المكرع
فقد ود تقبيله هنا كما ترى وكأن قد قبله.
وقول «تنازعك» الحديث مفيدنا أنه كان بينهما فيه أخذ وعطاء وقد استراح الشاعر من قوة الشعور التي تضمنها قوله «وإذا تنازعك الحديث» وما قبله من نعت إلى التشبيه ووصف الطبيعة. وقد يبدو أول وهلة أن الشاعر قد استطرد بتشبيه الثغر إلى وصف الطبيعة كما قدمنا أن الشعراء مما يفعلونه. ولكن مزيدًا من النظر في نعته يدل على المعنى الذي أوردناه أخيرًا ههنا أنه طلب بعض الاستراحة الوجدانية. وقد ضمن صفة الثغر المترقرق بصفائه وحلاوته هذه الصفات التي نعت بها الغدير والسارية والغلل المتقطع في أصول الخروع. وذلك قوله: