يبعد من هذا المعنى، وقد كرر لا يسرح أهله. وكأن ذكر الثغر لفته بنوع من تداعي المعاني إلى هذا الثغر اللذيذ الذي يحدثه فقال:
فسمي ما يدريك أن رب فتية ... باكرت لذتهم بأدهم مترع
وكأن هذه الصورة منتزعة من ثغرها الألمى المترع اللذيذ المكرع- وقد رووا في قوله من «ماء أسجر طيب المستنقع»: «ببزيل أسجر إلخ» فجعلوه دن خمر، ولعل الشاعر قال هكذا أول الأمر ثم عدل عنه.
ومضى الحادرة يذكر لذته بالشراب مع صحبه- وجاء مع الأدكن المترع بصفة العيون ولكنها ليست بمقلتي صاحبته ذات الطرف الوسنان، الحرة مستهل الأدمع- إنها عيون صحبه التي أحمرت من ثمل الخمر.
هذه الخمر كدم الغزال ويروي كدم الذبيح. وفي هذا التشبيه شيء مستكن من معنى الغزال الأتلع الذي هو حبيبته الحسناء البكر التي بكرت مفارقة وما متعته إلا نظرة.
ههنا، عندما ينتقل الحادرة إلى تصوير نداماه وسكرهم ورفاقه في شدة السفر، شيء من عناصر التحول والمقابلة وقد استشهدنا من قبل على ذلك بصنيع الشنفري في التائية حيث قابل بين صفات المحبوبة وصفة رقيقة «وأم عيال قد شهدت إلخ».
قوله: متبطحين على الكنيف كأنهم ... يبكون حول جنازة لم ترفع
فيه ذرء أنفاس من قوله:
ظلم البطاح له انهلال حريصة
هذا الذرء تحسه في لفظتي متبطحين والبطاح وفي البكاء وفي انهلال الحريصة والجنازة هنا الدن الذي شربوه. والأسجر في رواية من روى ببزيل أسجر هو الدن وقوله من بعد يصف الأشعث
ولدى أشعث باسط ليمينه ... قسمًا لقد أنضجت لم يتورع
صورة فيها مشابه من أم عيال الشنفري ومقابلة لقوله:
وإذا تنازعك الحديث رأيتها ... حسنًا تبسمها لذيذ المكرع
ثم ما جاء بعد من ذكر السفر
ومسهدين من الكلال بعثتهم ... بعد الكلال إلى سواهم ظلع
أودي السفار برمها فتخالها ... هيما مقطعة حبال الأذرع
تخد الفيافي بالرحال وكلها ... تخدي بمنخرق القميص سميدع