إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية مذ ساسها المتوكل
وقد استشهدنا له من قبل بقوله:
إني وإن جانبت بعض بطالتي ... وتوهم الواشون أني مقصر
ليروقني سحر العيون المجتلى ... ويشوقني ورد الخدود الأحمر
الله مكن للخليفة جعفر ... ملكًا يحسنه الخليفة جعفر
وقد حاكى البحتري في هذا من مذهبه وهو عنده كثير أستاذه أبا تمام إذ له منه قصائد، كقوله:
أذكت عليك شهاب نار في الحشا ... بالعذل وهنا أخت آل شهاب
عذلًا شبيهًا بالجنون كأنما ... قرأت به الورهاء صدر كتاب
أومأ رأت بردى من نسج الصبا ... ورأت خضاب الله وهو خضابي
لا جود في الأقوام يعلم ما عدا ... جودا حليفًا في بني عتاب
متدفقًا صقلوا به أحسابهم ... إن السماحة صيقل الأحساب
وكقوله يخاطب الشيب في نسيب قصيدة له في أبي سعيد التغري:
كل داء يرجى الدواء له إلا ... الفظيعين ميتة ومشيبًا
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى ... حسناتي عند الحسان ذنوبًا
ولئن عبن ما رأين لقد أنـ ... ـكرن مستنكرًا وعبن معيبًا
أو تصدعن عن قلى لكفى بالشـ ... ـيب بيني وبينهم حسيبًا
لو رأى الله أن للشيب فضلًا ... جاورته الأبرار في الخلد شيبًا
كل يوم تبدى صروف الليالي ... خلقًا من أبي سعيد رغيبًا
غير أن أبا تمام لم يشتهر بالاقتضاب شهرة أبي عبادة على كثرته عنده وجودته وأنفاس الصلابة فيه العربية في أسره. وأحسب أن من أسباب ذلك جودة احتيالات خروجه- أو كما قلنا قبل- حسن تخلصه كالأمثلة التي أوردنا وكقوله:
لقد أنست مساوئ كل دهر ... محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وإن كان قد سبق هذا ما هو كالاقتضاب في قوله:
وأعين ربرب كحلت بسحر ... وأجساد تضمخ بالجساد
بزهر والحذاق وآل برد ... ورت في كل صالحة زنادي
ثم مدح هؤلاء وتخلص إلى ابن أبي دؤاد.