وكأن أبا الطيب نظر إلى هذا المذهب حين مدح بني عمران بعد ذكره الخيل ثم تخلص إلى أبي أيوب فقال:
سقيت منابتها التي سقت الورى ... بندى أبي أيوب خير نباتها
إلا أنه سلك سبيل التخلص في الموضعين.
وليس أصل اقتضاب البحتري من اقتضاب الأوائل في قصائد المدح، وإن يك استاذه فيه أبو تمام مما ينظر إلى هؤلاء، وكأن أكثر اقتضابه إضراب عن ذكر الرحلة. ولس كذلك صنيع البحتري الذي إنما هو من النسيب وثب مفاجئ.
مثلًا، قول أبي تمام في أول البائية
لو أن دهرًا رد رجع جواب ... أو كف من شأويه طول عتاب
لعذلته في دمنتين بأمرة ... ممحوتين لزينب ورباب
فدل هذا على أنه وقف عند الدمنتين وهو في طريقه إلى الممدوح، ثم قد ذكر عذل امرأته التي جعل «أخت آل شهاب» كنية لها، ثم قال:
لا جود في الأقوام يعلم ما خلا ... جودا حليفًا في بني عتاب
فهذا كالرد على العاذلة.
وشبيه بهذا قوله وأشعر فيه أنه مرتحل:
لله ليلتنا وكانت ليلة ... ذخرت لنا بين اللوى والشربب
قالت وقد أعلقت كفي كفها ... حلا وما كل الحلال بطيب
فسره التبريزي بقوله قد جمعت هذا الذي أحلت لي من نفسها أنه حلال وأنه طيب مستلذ، وهو وجه غير أنه ضعيف. والظاهر من المعنى أنها قالت له تحلل مما عزمت عليه من الرحلة. فقولها هذا ما كان أطيبه، وفي هامش طبعة الديوان قال ابن المستوفي فأما إذ لم يقل حلًا طيبًا أوهم أن ما بذلته من الحلال غير طيب. ولا نعلم أما بذلت له حلال هو أم غير حلال، وإنما هي إلمامه ليلة ألمها بهذه الحسناء، ويجوز أن ذلك كان متعة استحلها ثم أخذ في سبيل الرحلة، وكلا كلامي أبي زكريا وابن المستوفي غير واف
فنعمت من شمس إذا حجبت بدت ... من نورها فكأنها لم تحجب
وإذا رنت خلت الظباء ولدنها ... ربعية واسترضعت في الربرب
قالوا إذا رنت الغزالة نصت جيدها والربرب بقر الوحش وعيونهن واسعات فجمع لها جيد الظبية وحلاوتها وعيون ألمها.
إنسية إن حصلت أنسابها ... جنية الأبوين ما لم تنسب