أي جمالها خارق وهذا ولده من قول الشنفري:
فدقت وجلت واسبكرت وأكملت ... فلو جن إنسان من الحسن جنت
ثم أشعر بارتحاله ومروره على مدينة الزباء الخربة، على شاطئ الفرات، وقالوا إنها من بقايا مدينة الزباء صاحبة الخبر.
قال أبو تمام:
قد قلت للزباء لما أصبحت ... في حد ناب للزمان ومخلب
لمدينة عجماء قد أمسى البلى ... فيها خطيبًا باللسان المعرب
فكأنها سكن الفناء عراصها ... أو صال فيها الدهر صولة مغضب
لكن بنو طوق وطوق قبلهم ... شادوا المعالي بالثناء الأغلب
فهذا اقتضاب، وله صلة بما قبله. وقد فسر أبو تمام الزباء فقال لمدينة عجماء ثم أبى إلا طباقًا فجاء باللسان المعرب وهو بلا ريب لسانه هو وإن كان الظاهر يفيد لسان حال البلى أنه مبين فكأنه معرب- غير أن قوله باللسان المعرب أدل على لسان معرب بعينه وهو لسانه الذي ترجم به عن لسان حال البلى.
اقتضاب البحتري محض مفاجئ كل المفاجأة مبتور منقطع الصلة- إلا النغم وإيحاءاته- بما قبلهن كقوله المتقدم الذي استشهدنا بهن وكقوله:
وربت ليلة قد بت أسقى ... بعينيها وكفيها المداما
قضينا الليل لثمًا واعتناقًا ... وأفنيناه ضما والتزامًا
خلافة جعفر عدل وأمن ... وحلم لم يزل يسع الأناما
مقدمة البحتري قبل اقتضابه إنما هي ترنم يتهيأ به لاندفاع إلى المديح. وهذا من صنيعه شبيه بصنيع جرير في الهجاء- مثلًا:
بان الخليط غداة الجناب ... ولم تقض نفسك أوطارها
فلا تكثروا طول شك الخلاج ... وشدوا على العيس أكوارها
سأرمي بها قاتمات الفجاج ... ونهجر هندا وزوارها
ألا قبح الله يوم الزبير ... بلاء القيون وأخبارها
تركتم لسعد زمام الزبير ... وعقر الفتاة وتجرارها
أحسبه «رمام الزبير» بالمهملة لأن ابن جرموز قاتله من بني سعد رهط الأحنف والفتاة جعثن أخت الفرزدق.