فقد تخلص فيها من شكوى الحب ورقة النسيب إلى بعض التفتي يجعله وسيلة إلى ذكر الكأس
فليس الذي حللته بمحلل ... وليس الذي حرمته بحرام
وإني لأباء على كل لائم ... عليك وعصاء لكل ملام
وكنت إذا حدثت نفسي بسلوة ... خلعت عذاري أو فضضت لجامي
وأسبلت أثوابي لكل عظيمة ... وشمرت عن أخرى لكل غرام
فهذا تفت منه، أي عمل بالفتوة وخلص منه إلى ذكر المنادمة ومجلس الأنس واللذات والصيد
هل العيش إلا ماء كرم مصفق ... يرقرقه في الكأس ماء غمام
وعود بنان حين ساعد شدوه ... على نغم الألحان ناي زنام
أبي يومنا بالزو إلا تحسنًا ... لنا بسماع طيب ومدام
الزو اسم سفينة عملها المتوكل للنزهة. وشبهها البحتري بالجبل ومن العجب لصانعي هوامش طبعة الديوان أنهم فسروا الزو (هامش ٣ ص ١٦ من ج ١ - طبعة دار صادر ببيروت) بأنه جبل ولو رجعوا إلى القاموس لوجدوا أنه سفينة وقد ذكر بيت البحتري والجبل لا يقاد بزمام كما سيأتي ولكن تقاد السفينة.
ثم تجيء أبيات من بديع ما جاء في صفة الصيد بالبزاة -جمع البازي- وذلك من لهو الملوك ونداماهم ومن يجري هذا المجرى من أهل الثراء والأمراء:
غنينا على قصر يسير بفتية ... قعود على أرجائه وقيام
فهذا القصر السائر هو الزو والفتية القعود فيه والقيام هم النوتيون والخدم الآلي فيه
تظل البزاة البيض تخطف حولنا ... جئاجئ طير في السماء سوامى
تحذر بالدراج من كل شاهق ... مخضبة أظفارهن دوامي
مخضبة مرفوعة، صفة لموصوف محذوف معلوم هو البزاة، جعلها كأن عليها خضابًا ثم فسر هذا الخضاب بأنه الدم الذي على أظفارها من صيدها الدراج وهو من الطير الجيد أكله. وأخذ البحتري صفة بزاته المخضوبة من قول أبي زبيد «طيرا عكوفًا كزور العرس» لأن زور العرس عليهن الخضاب، وقد مر البيت الذي منه هذه القطعة في باب القوافي