أبت الروداف والثدي لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبهن حاسدة وهجن غيورا
وإنما ذهب بخصر هذا الشكل مذهبه في الاقتضاب، فكأن ذلك منه مبالغة في التخصير. وقصيدة طرفة المعلقة ذات تخصير ولكن فهيا غضبة الشاب ونخوته وحماسته فمن أجل ذلك جاء فيها بصفة الرحلة والناقة، وذلك أن خولة ظعنت فهو يتسلى عن بينها بالسفر:
وإني لأمضي الهم عند احتضاره ... بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
ولا يخبرنا طرفة أنه يريد بينا عنها كما بانت منه، ولا أنه يريد لحاقًا. ولكن في فؤاده هما لا يعلم وجه تسل منه غير هذه العوجاء المرقال. وهي ناقته الفتية مثله. حتى سفره لا ترى له غاية. وإنما هو قلق ورواح واغتداء.
أحلت عليها بالقطيع فأجذمت ... وقد خب آل الأمعز المتوقد
ولكن إلى أين؟
مكان التخصير في هذه الدالية التي لم ير لبيد شيئًا يفوق شعره من الشعر بعد امرئ القيس غيرها هو قوله:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هاذاك الطراف الممدد
ألا أيها اللائمي أحضر الوغي ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقى العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكرى إذا نادى المضاف محنبا ... كسيد الغضى نبهته المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد
كأن البرين والدماليج علقت ... على عشر أو خروع لم يخضد
من هنا أخذ الأعشى قوله:
تسمع للحلي وسواسًا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل