فجعله انصرافًا وعند طرفة هو إقبال أو إقبال أو إقبال وانصراف حملاً على قوله تروح وتغتدي ويجوز ويهتدى وتناول أطراف البرير وترتدي.
كريم يروى نفسه في حياته ... ستعلم إن متنا غدا إينا الصدى
أرى قبر نحام بخيل بماله ... كقبر غوي في البطالة مفسد
ترى جئوتين من تراب عليهما ... صفائح صم من صفيح منضد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
أرى العيش كنزًا ناقصًا كل ليلة ... وما تنقص الأيام والدهر ينفد
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكا لطول المرخى وثنياه باليد
ثم رجع إلى معنى اللوم وهو من الهم الذي أثاره مع بين خولة وما خولة كناية عنه ثم استمر في القصيدة. وهذه الأبيات تأمل وحكمه منفعلة ومداخلها معنى ما كان فيه من غضب الشباب ونخوته ونشوته وشيء من وصف الفتاة التي فيها كشبابه وحيوية حركته: غزالة تنفض، المرد، قلوص تروح وتغتدى وتذيل، وشجرة لأغصانها حفيف، أراكه ذات برير، عشر وخروع لم يخضد.
هذه الأبيات الستة عشر فاصل واصل بين ما تقدم من وصف ونسيب وما خلا من نغمة فخر ونظرة تأمل وروح حكمة وفيه بعد حرارة العاطفة حتى في نعت الناقة الدقيق كما فيه هذا الوصف الحي لمجلس الطرب وقينته:
نداماي بيض كالنجوم وقينة ... تروح علينا بين برد ومجسد
رحيب قطاب الجيب منها رفيقة ... بجس الندامى بضة المتجرد
ومن وصف طرفة ولد الأعشى هريرته ومجلس شرابه فتأمل- وبين ما تلا من عراك وخصومة وشكوى ولوم مر واعتزاز بالنفس وافتخار وحكمة تتخلل ذلك وتداخله، ومن مشهور قوله في الملامة:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
وأحسب أن مقاله الجاحظ المشهورة التي أولها: «ليس جهد البلاء مد الأعناق وانتظار وقع السيف» ولدها من قول طرفة هذا وهي له كالشرح.
ومن مشهور فخره:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد