للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضرب عن ذكر الناقة المعتملة. وجاء بإبل الظعائن وإبل العقل والمفاداة، وكل ذلك جمال منظر ومخبر، لدلالته على السخاء والمعروف والسلم، ثم أشار بالناقة المعقورة إلى شؤم الحرب، وهي ناقة ثمود، وبالرحى إلى ما توقعه من أضرار. وإذ جعل الإبل جمالاً وسلامًا لم يجيء بذكرها تصريحًا في الدلالة على قبح الحرب وشرورها ولكن اكتفى بالتلميح، فلم يذكر ناقة ثمود نفسها ولكن عاقرها:

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

وقد شبه الحرب في اللقاح والنتاج بالإبل ولكنه أسند الفعل إليها وجعلها من البشر إذ نتجها غلمانًا وإنما تنتج الإبل السقاب. وما يخلو زهير إذ أضرب عن صفة الناقة المعتملة وأشار بما أشار به إلى العقر من نظر خفي إلى قول امرئ القيس:

ويوم عقرت للعذارى مطيتي ... فواعجبا من كورها المتحمل

من حيث إنه احتيال بياني.

وقد كان مكان الحكمة، لو اتبع زهير شكل التخضير (كما سميناه وإنما هو اسم على التشبيه ولا مشاحة في الأسماء كما قال قدامة) بعد قوله

ظهرن من السوبان ثم جزعنه ... على كل قيني قشب ومفأم

وإذا لكان قال بعده

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبالك يسأم

إلى قوله:

وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده ... وإن الفتى بعد السفاهة يحلم

وكان قوله:

سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم ... ومن أكثر التسآل يومًا سيحرم

يجيء بعد قوله:

فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه ... صحيحات مال طالعات بمخرم

لحي حلال يعصم الناس أمرهم ... إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم

كرام فلا ذو الضغن يدرك تبله ... ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم

ولكن زهيرًا تصرف في الشكل المخصر، فجعل تخصيره تذبيلاً، وجاء بأبيات الحكمة آخر شيء، وقوله «سألنا فأعطيتم البيت» في رواية من رواه، وقد مر حديثنا عن ذلك، مقطع للقصيدة حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>