بجرائرهم». وإنما يكون الهم الذي معه الإبلاس والإبسال والتقنع عند توقع الأمر الخطير المفظع. وكأن أمر جيوش أبي بكر رضي الله عنه لأهل الردة مفظعًا. ورووا مما كان أهل الردة يتناشدونه:
ألا يا اصبحاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب ولا ندري
وقد جاء بعد بيت الإلباس والتقنع بذكر الموت والتفكر في مصاير الأيام والبشر. وقد استهل التفكر بنوع مظلم كليل امرئ القيس قبري المعدن كأبيات الممزق، حزين روح الإقدام كأبيات ضبع الشنفرى- وأول ما استهل به ذكر الضبع ونبشها عن جيف الموتى، وتأمل بعد قوله الذي جعله تذييلاً حكميًا ذا عبرة وأحزان:
يا لهف من عرفاء ذات فليلة ... جاءت إلي على ثلاث تخمع
ظلت تراصدني وتنظر حولها ... ويريبها رمق وأنى مطمع
فقد جعل نفسه هنا قتيلاً لا جنازة تنبش من قبر- قاتل حتى أثبته الجراح والضبع تراقبه حتى إذ مات أكلته. هكذا توهم نهايته وما باعد.
ظلت تراصدني وتنظر حولها ... ويريبها رمق وأني مطمع
وتظل تنشطني وتلحم أجريا ... وسط العرين وليس حي يدفع
لو كان سيفي باليمين ضربتها ... عني ولم أوكل وجنبي الأضيع
هل نظم مالك هذا الشعر وهو أسير خالد رضي الله عنه؟
ولا أشك أن البحتري إلى هنا نظر إذ قال
ولو كان سيفي ساعة الفتك في يدي ... درى الفاتك العجلان كيف أبادره
وقد ذكروا كيف كان هلعه واختباؤه
ولقد ضربت به فتسقط ضربتي ... أيدي الكماة كأنهن الخروع
ذاك الضياع فإن حززت بمدية ... كفي وقولي محسن ما يصنع
ولا يصنع ذلك إلا نادم- فهل ندم على أنه استأسر؟
ولعل هذا هو آخر القصيدة والأبيات التي أوهمت أنهم لمتمم وهن الثلاثة الأواخر:
ولقد غبطت بما ألاقي حقبة ... ولقد يمر علي يوم أشنع
ويكون المعنى ولقد غبطت لما يكفيني مالك ولقد مر علي يوم مصرعه وهو شنيع