أفبعد من ولدت نسيبة أشتكي ... زو المنية أو أرى أتوجع
ولقد علمت ولا محالة أنني ... للحادثات فهل تريني أجزع
فهذا يشبه بعض ما في عينية الرثاء.
هذا وشكل قصيدتي في عمرو والحارث أنهما خطبتان جمهوريتان. ومخاطبة الظعينة فرع من ذلك. وكذلك مخاطبة واحدة في عتاب أو خصومة أو ما أشبه. وقد عجل عمرو والحارث كلاهما بنسيبهما إلى موضوع خطابتهما. بل نسيبهما منذ البداية جلي أنه توطئة وتمهيد واستجلاب للأسماع لا نغم صبابة. وعند عمرو بدء بالخمر ودلالة ذلك على إدراك الثأر والانتصار. وبداية الحارث بظعينة آذنت وقد ملها. والغالب على الشعراء إذا أرادوا معنى الصبابة ولو رمزًا أن يزعموا أن الرحيل فاجأهم لا أنهم أذنوا به -والإيذان بالرحيل تصريح بالمصارمة. ثم عمرو والحارث كلاهما يخلصان آخر الأمر إلى الفخر ومواجهة «الجماهير» - قال عمرو:
وقد علم القبائل من معد ... إذا قبب بأبطحها بنينا
والقبائل مخاطبة ههنا.
هل علمتم أيام ينتهب النا ... س غوارًا لكل حي عواء
ثم مضى يعدد المآثر ويفصح بالحجج. مذهب الحارث وعمرو كليهما [وهو كما قدمنا شكل خطابي واحد] فيه هو نضج أسلوب المهلهل ومناقضيه. ويذكر عن الأصمعي أنه قال لو كانت للمهلهل ست قصائد مثل:
أليلتنا بذي حسم أنيري
لعده في الفحول. وحسب المهلهل أنه شرع لمن بعده مسلك الطويل في أشعار الفخر القبلي والثأر. وإنما كانت أبياتًا. فإن يكن المهلهل قد سبق إلى التطويل في هذا الباب، فحظه على الأقل أنه جوده وأحكمه حتى صلح لأن يتناقل ويروى. ولا ريب أن القصاص قد نحلوه هو وخصومه ما نحلوا.
وفي الذي وصل إلينا من الشعر القديم كلمات عدة تنتهج منهج الحارث وعمرو في لهوجة النسيب وصرف العناية إلى المواجهة الجهيرة التي تخطب جمهورًا بمفاخر جمهور. من ذلك مثلاً قصيدة الحصين بين الحمام المرى
جزي الله أفناء العشيرة كلها ... بدارة موضوع عقوقًا ومأثما
وقصيدة الخصفي التي يرد عليها بها
من مبلغ سعد بن ذبيان مألكا ... وسعد بن ذبيان الذي قد تختما