وكثير مما يطول ويقصر في هذا المجال يجري مجرى هاتين الكلمتين من ذلك مثلاً نونية العدواني سواء اعتددت بنسيبها أم لم تفعل. وما نسيبها إلا خمسة أبيات ثم ما بعد ذلك منافرة وخصام وربما بلغ به تعريض الهجاء مثل قوله:
عني إليك فما أمي براعية ... ترعى المخاض وما رأيي بمغبون
كأنه يعرض به أن أمه أمة.
ولم يرو المفضل فيما أسند إليه عن أبي عكرمة غير ثمانية عشر بيتًا لا نسيب بين يديها وروي غيره ستة وثلاثين بيتًا فزاد على الثمانية عشر ثلاثة عشر ثم أبيات النسب، والنون حرف ذلول ركوب، ولعله قد زيد في نونية ذي الأصبع كما قد زيد في نونية عمرو بن كلثوم وقيل بلغوا بها ألفًا، ولعله لو كان في عدوان عدد كما في تغلب، قد بلغ بها بعض ذلك.
وعينية ذي الإصبع الأبيات العشرة التي أولها
إنكما صاحبي لن تدعا ... لومي ومهما أضع فلن تسعا
وروي ومهما أضق و «تسعًا» تسوغها، والمعنى متقارب.
قوامها مذهب الخطبة كنونيته غير أنه أدخل فيها عنصر تأنيث عند قوله في سابع أبياتها:
إما ترى شكتى رميح أبي ... سعد فقد أحمل السلاح معًا
وهذا من أسلوب تذكر الشباب. وما أرى إلا أن ذا الإصبع عمد إلى ضرب من السخرية والتهكم بهذين السفيهين اللذين خاطبهما. وقد جعل بعض كلاهما كأنه كلام أنثى حيث قال:
إنكما من سفاه رأيكما ... لا تجنبان السفاه والقذعا
إلا بأن تكذبا على ولم .. أملك بأن تكذبا وأن تلعا
لن تعقلا جفرة علي ولم ... أوذ نديمًا ولم أنل طبعا
أي أنتما تؤذيان النديم وتنالان الطبع وهو اتساخ العرض.
إن تزعما أنني كبرت فلم ... ألف بخيلاً نكسًا ولا ورعًا
أي فقد كبرت ولكن سلا ما تأريخي، إني لم أكن نكسًا ولا ضعفًا جبانًا وزعمهما أنه كبر هذا كلام الأنثى، كقول الآخر:
على ما أنها هزئت وقالت ... هنون أجن منشأ ذا قريب
فإن أكبر فإني في لداتي ... وعصر جنوب مقتبل قشيب
وقال الآخر:
أما تريني قد بليت وغاضني ... ما نيل من بصري ومن أجلادي
فلما جعلهما ذوي حديث أنثى هنا، عاد فزعم أنه إنما يخاطب أنثى حيث قال:
إما ترى شكتي رميح أبي ... سعد فقد أحمل السلاح معًا
وليس أسلوب الأعشى في «ودع هريرة» من شكل أسلوب الخطبة الشعرية الذي عند عمرو والحارث. ولكنه كما قلنا من قبل من معدن شكل مدحة النابغة، وإنما خلج أبواب الغزل والرحلة والشراب عن سمت جد الوصف إلى هزل من الفكاهة ليجعل ذلك توطئة لتوبيخ يزيد بني شيبان والطنز به مع التهديد والوعيد.