للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غطفان، فذهب رجل من بني عبد الله إلى غلام من الثعلبيين يقال له خالد وهو أحد بني رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وللثعلبي إبل كرام جلة حسان، فلم يزل يخدع الثعلبي حتى اشترى الإبل منه بغنم. فرجع الغلام إلى أبويه فأخبرهما فقالا هلكت والله أهلكتنا. ثم إن أبا الغلام ركب إلى مزرد فقص عليه القصة فأخبره بالخبر. فقال مزرد أنا ضامن لك إبلك أن ترد عليك بأعيانها، ثم أنشأ يقول:

ألا قل لعبد الله والجهل كاسمه ... أعائدتي من حب سلمى عوائدي

قال أحمد فهذا كان سبب قول مزرد لهذه القصيدة. أ. هـ»

فتأمل قوة الشعر. وقد جاوز مزرد التوبيخ إلى الهجاء المقذع. ولذلك استعدي ابن ثوب عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فاعتذر إليه. ويوشك السياق أن يدل على أن ابن ثوب إما رد الإبل وإما أرضى أهل الغلام. وإلا فما كان مزرد ليعتذر إن كان ذلك البيع كما قصوا خبره قد كان غبنًا، والله أعلم.

وقد جمع مزرد بن مذهب تهكم الأعشى وخطابة ذي الأصبع. وأصل ذلك كما قدمنا أسلوب الخطبة الشعرية الذي عند الحارث وعند عمرو بن كلثوم- قال مزرد:

أزرع بن ثوب إن جارات بيتكم ... هزلن وألهاك ارتغاء الرغائد

الرغائد أي عيش الخصب، فزعم أن الغلام المخدوع ابن جارات زرعة بن ثوب

وأصبح جارات ابن ثوب بواشما ... من الشر يشويهن شي القدائد

تركت ابن ثوب وهو لا ستر دونه ... ولو شئت غنتني بثوب ولائدي

فهذا مما جاوز به إلى تناول الأعراض، إذ أقبل على ثوب نفسه بعد أن فرغ من ذم ابنه

صقعت ابن ثوب صقعة لا حجي لها ... يولوول منها كل آس وعائد

فردوا لقاح الثعلبي أداؤها ... أعف وأتقى من أذى غير واحد

ثم قال:

فيا آل ثوب إنما ذود خالد ... كنار اللظى لا خير في ذود خالد

وفي سياق الشرح ما يدل على أن مزردا كان يزيد في هذه القصيدة حينًا بعد حين، يتغنى بالشر الذي أخذ في مسالكه من ممض القول ولاذعه.

ومن هذا الباب قصائد عدة في المفضليات- مثلاً همزية عوف بن الأحوص (٣٥) ومع مرارته فيها كان أعف لسانًا من المزرد. وكأن مذهب المزرد كان من باب التهيئة والتمهيد لما جاء بعد من إقذاع الفرزدق وجرير. وأول همزية عوف بن الأحوص:

هدمت الحياض فلم يغادر ... لحوض من نصائبه إزاء

وهو فاتحة نسيب منبئة بغضب قريب مما صنع الحارث إذ قال:

آنتنا بينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء

وفيها يقول:

فإنك والحكومة يا بن كلب ... علي وأن تكفنني سواء

<<  <  ج: ص:  >  >>